jilid II
فصل في صلاة الجماعة
وشرعت بالمدينة. وأقلها إمام ومأموم، وهي في الجمعة، ثم في صبحها، ثم الصبح، ثم العشاء، ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب أفضل. (صلاة الجماعة في أداء مكتوبة) لا جمعة (سنة مؤكدة) للخبر المتفق عليه: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. والافضلية تقتضي الندبية فقط وحكمة السبع والعشرين: أن فيها فوائد تزيد على صلاة الفذ بنحو ذلك. وخرج بالاداء القضاء. نعم، إن اتفقت مقضية الامام والمأموم سنت الجماعة، وإلا فخلاف الاولى، كأداء خلف قضاء، وعكسه، وفرض خلف نفل، وعكسه، وتراويح خلف وتر، وعكسه. وبالمكتوبة: المنذورة، والنافلة، فلا تسن فيهما الجماعة، ولا تكره. قال النووي: والاصح أنها فرض كفاية للرجال البالغين الاحرار المقيمين في المؤاداة فقط، بحيث يظهر شعارها بمحل إقامتها، وقيل إنها فرض عين - وهو مذهب أحمد - وقيل شرط لصحة الصلاة، ولا يتأكد الندب للنساء تأكده للرجال، فلذلك يكره تركها لهم، لا لهن. والجماعة في مكتوبة - لذكر - بمسجد أفضل، نعم، إن وجدت في بيته فقط فهو أفضل، وكذا لو كانت فيه أكثر منها في المسجد - على ما اعتمده الاذرعي وغيره -. قال شيخنا: والاوجه خلافه، ولو تعارضت فضيلة الصلاة في المسجد والحضور خارجه: قدم - فيما يظهر - لان الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها، والمتعلقة بزمانها أولى من المتعلقة بمكانها وتسن إعادة المكتوبة بشرط أن تكون في الوقت، وأن لا تزاد في إعادتها على مرة - خلافا لشيخ شيوخنا أبي الحسن البكري رحمه الله تعالى - ولو صليت الاولى جماعة مع آخر ولو واحدا، إماما كان أو مأموما، في الاولى أو الثانية، بنية فرض. وإن وقعت نفلا فينوي إعادة الصلاة المفروضة. واختار الامام أن ينوي الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض، ورجحه في الروضة، لكن الاول مرجح الاكثرين، والفرض الاولى، ولو بان فساد الاولى لم تجزئه الثانية - على ما اعتمده النووي وشيخنا، خلافا لما قاله شيخه زكريا، تبعا للغزالي وابن العماد - أي إذا نوي بالثانية الفرض (وهي بجمع كثير أفضل) منها في جمع قليل، للخبر الصحيح: وما كان أكثر، فهو أحب إلى الله تعالى (إلا لنحو بدعة إمامه) أي الكثير: كرافضي، وفاسق، ولو بمجرد التهمة. فالاقل جماعة - بل الانفراد - أفضل، كذا قاله شيخنا تبعا لشيخه زكريا - رحمهما الله تعالى -. وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الاركان أو الشروط، وإن أتى بها، لانه يقصد بها النفلية، وهو مبطل عندنا. (أو) كون القليل بمسجد متيقن حل أرضه، أو مال بانيه، أو (تعطل مسجد) قريب أو بعيد (منها) - أي الجماعة - بغيبته عنه لكونه إمامه، أو يحضر الناس بحضوره، فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره في غيره. بل بحث بعضهم أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه بغيبته أفضل، والاوجه خلافه. ولو كان إمام القليل أولى بالامامة - لنحو علم - كان الحضور عنده أولى. ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى. كما أطبقوا عليه حيث قالوا: إن فرض الكفاية أفضل من السنة. وأفتى الغزالي، وتبعه أبو الحسن البكري في شرحه الكبير على المنهاج بأولوية الانفراد لمن لا يخشع مع الجماعة في أكثر صلاته. قال شيخنا: وهو كذلك، إن فات في جميعها. وإفتاء ابن عبد السلام بأن الخشوع أولى مطلقا إنما يأتي على قول أن الجماعة سنة. ولو تعارض فضيلة سماع القرآن من الامام مع قلة الجماعة وعدم سماعه مع كثرتها، كان الاول أفضل. ويجوز لمنفرد أن ينوي اقتداء بإمام أثناء صلاته، وإن اختلفت ركعتهما لكن يكره ذلك له، دون مأموم خرج من الجماعة لنحو حدث إمامه فلا يكره له الدخول في جماعة أخرى. فإذا اقتدى في الاثناء لزمه موافقة الامام. ثم إن فرغ أولا كمسبوق، وإلا فانتظاره أفضل. وتجوز المفارقة بلا عذر، مع الكراهة، فتفوت فضيلة الجماعة. والمفارقة بعذر: كمرخص ترك جماعة، وتركه سنة مقصودة كتشهد أول، وقنوت، وسورة، وتطويله وبالمأموم ضعف أو شغل لا تفوت فضيلتها. وقد تجب المفارقة، كأن عرض مبطل لصلاة إمامه وقد علمه فيلزمه نيتها فورا وإلا بطلت، وإن لم يتابعه اتفاقا، كما في المجموع (وتدرك جماعة) في غير جمعة، أي فضيلتها، للمصلي (ما لم يسلم إمام) أي لم ينطق بميم عليكم في التسليمة الاولى، وإن لم يقعد معه بأن سلم عقب تحرمه لادراكه ركنا معه، فيحصل له جميع ثوابها وفضلها، لكنه دون فضل من أدركها كلها. ومن أدرك جزءا من أولها، ثم فارق بعذر أو خرج الامام بنحو حدث، حصل له فضل الجماعة. أما الجمعة، فلا تدرك إلا بركعة - كما يأتي - ويسن لجمع حضروا والامام قد فرغ من الركوع الاخير أن يصبروا إلى أن يسلم ثم يحرموا - ما لم يضق الوقت -. وكذا لمن سبق ببعض الصلاة ورجا جماعة يدرك معهم الكل. لكن قال شيخنا إن محله ما لم يفت بانتظارهم فضيلة أول الوقت، أو وقت الاختيار، سواء في ذلك الرجاء واليقين. وأفتى بعضهم بأنه لو قصدها فلم يدركها كتب له أجرها، لحديث فيه (و) تدرك فضيلة (تحرم) مع إمام (بحضوره) - أي المأموم - التحرم (واشتغال به عقب تحرم إمامه) من غير تراخ، فإن لم يحضره أو تراخى فاتته فضيلته. نعم، يغتفر له وسوسة خفيفة وإدراك تحرم الامام فضيلة مستقلة مأمور بها لكونه صفوة الصلاة، ولان ملازمه أربعين يوما يكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق - كما في الحديث - وقيل: يحصل فضيلة التحرم بإدراك بعض القيام. ويندب ترك الاسراع وإن خاف فوت التحرم، وكذا الجماعة - على الاصح - إلا في الجمعة، فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الامام ويسن لامام ومنفرد انتظار داخل محل الصلاة مريدا الاقتداء به في الركوع والتشهد الاخير لله تعالى - بلا تطويل -، وتمييز بين الداخلين، ولو لنحو علم. وكذا في السجدة الثانية ليلحق موافق تخلف لاتمام فاتحة، لا خارج عن محلها، وأن صغر المسجد، ولاداخل يعتاد البطء. وتأخير الاحرام إلى الركوع، بل يسن عدمه زجرا له. قال الفوراني: يحرم الانتظار للتودد، ويسن للامام تخفيف الصلاة مع أبعاض وهيئات بحيث لا يقتصر على الاقل، ولا يستوفي الاكمل، إلا أن رضي بتطويله محصورون. وكره له تطويل، وإن قصد لحوق آخرين. ولو رأى مصل نحو حريق خفف، وهل يلزم أم لا ؟ وجهان، والذي يتجه أنه يلزمه لانقاذ حيوان محترم، ويجوز له لانقاذ نحو مال كذلك، ومن رأى حيوانا محترما يقصده ظالم أو يغرق لزمه تخليصه وتأخير صلاة، أو إبطالها إن كان فيها، أو مالا جاز له ذلك. وكره له تركه. وكره ابتداء نفل بعد شروع المقيم في الاقامة، ولو بغير إذن الامام، فإن كان فيه أتمه، إن لم يخش بإتمامه فوت جماعة، وإلا قطعه ندبا ودخل فيها، ما لم يرج جماعة أخرى (و) تدرك (ركعة) لمسبوق أدرك الامام راكعا بأمرين: (بتكبيرة) الاحرام، ثم أخرى لهوي، فإن اقتصر على تكبيرة اشترط أن يأتي بها (لاحرام) فقط، وأن يتمها قبل أن يصير إلى أقل الركوع، وإلا لم تنعقد إلا لجاهل فتنعقد له نفلا، بخلاف ما لو نوى الركوع وحده، لخلوها عن التحرم، أو مع التحرم للتشريك، أو أطلق لتعارض قرينتي الافتتاح والهوي، فوجبت نية التحرم لتمتاز عما عارضها من تكبيرة الهوي. (و) بإدراك (ركوع محسوب) للامام وإن قصر المأموم فلم يحرم إلا وهو راكع. وخرج بالركوع غيره، كالاعتدال وبالمحسوب غيره كركوع محدث، ومن في ركعة زائدة. ووقع للزركشي في قواعده، ونقله العلامة أبو المسعود وابن ظهيرة في حاشية المنهاج: أنه يشترط أيضا أن يكون الامام أهلا للتحمل، فلو كان الامام صبيا لم يكن مدركا للركعة، لانه ليس أهلا للتحمل. (تام) بأن يطمئن قبل ارتفاع الامام عن أقل الركوع، وهو بلوغ راحتيه ركبتيه (يقينا)، فلو لم يطمئن فيه قبل ارتفاع الامام منه، أو شك في حصول الطمأنينة، فلا يدرك الركعة، ويسجد الشاك للسهو - كما في المجموع - لانه شاك بعد سلام الامام في عدد ركعاته، فلا يتحمل عنه. وبحث الاسنوي وجوب ركوع أدرك به ركعة في الوقت (ويكبر) ندبا (مسبوق انتقل معه) لانتقاله، فلو أدركه معتدلا كبر للهوي وما بعده، أو ساجدا مثلا - غير سجدة تلاوة - لم يكبر للهوي إليه، ويوافقه - ندبا - في ذكر ما أدركه فيه من تحميد، وتسبيح، وتشهد، ودعاء، وكذا صلاة على الآل، ولو في تشهد المأموم الاول. قاله شيخنا. (و) يكبر مسبوق للقيام (بعد سلاميه إن كان) المحل الذي جلس معه فيه (موضع جلوسه) لو انفرد، كأن أدركه في ثالثة رباعية، أو ثانية مغرب، وإلا لم يكبر للقيام، ويرفع يديه تبعا لامامه القائم من تشهده الاول، وإن لم يكن محل تشهده، ولا يتورك في غير تشهده الاخير. ويسن له أن لا يقوم إلا بعد تسليمتي الامام. وحرم مكث بعد تسليمتيه - إن لم يكن محل جلوسه - فتبطل صلاته به إن تعمد وعلم تحريمه. ولا يقوم قبل سلام الامام، فإن تعمده بلا نية مفارقة بطلت. والمراد مفارقة حد القعود، فإن سها أو جهل لم يعتد بجميع ما أتى به حتى يجلس، ثم يقوم بعد سلام الامام. ومتى علم ولم يجلس بطلت صلاته. وبه فارق من قام عن إمامه في التشهد الاول عامدا، فإنه يعتد بقراءته قبل قيام الامام لانه لا يلزمه العود إليه (وشرط لقدوة) شروط منها: (نية اقتداء، أو جماعة)، أو ائتمام بالامام الحاضر، أو الصلاة معه، أو كونه مأموما (مع تحرم) أي يجب أن تكون هذه النية مقترنة مع التحرم. وإذا لم تقترن نية نحو الاقتداء بالتحرم لم تنعقد الجمعة، لاشتراط الجماعة فيها، وتنعقد غيرها فرادى. فلو ترك هذه النية، أو شك فيها، وتابع مصليا في فعل، كأن هوى للركوع متابعا له، أو في سلام بأن قصد ذلك من غير اقتداء به وطال عرفا انتظاره له، بطلت صلاته. (ونية إمامة) أو جماعة (سنة لامام في غير جمعة) لينال فضل الجماعة، وللخروج من خلاف من أوجبها. وتصح نيتها مع تحرمه وإن لم يكن خلفه أحد، إن وثق بالجماعة على الاوجه، لانه سيصير إماما، فإن لم ينو، ولو لعدم علمه بالمقتدين، حصل لهم الفضل دونه، وإن نواه في الاثناء، حصل له الفضل من حينئذ، أما في الجمعة فتلزمه مع التحرم (و) منها: (عدم تقدم) في المكان يقينا (على إمام - بعقب) وإن تقدمت أصابعه. أما الشك في التقدم فلا يؤثر ولا يضر مساواته، لكنها مكروهة (وندب وقوف ذكر) ولو صبيا لم يحضر غيره، (عن يمين الامام) وإلا سن له تحويله - للاتباع - (متأخر) عنه (قليلا)، بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه. وخرج بالذكر الانثى، فتقف خلفه، مع مزيد تأخر. (فإن جاء) ذكر (آخر، أحرم عن يساره)، ويتأخر قليلا، (ثم) بعد إحرامه (تأخرا) عنه ندبا، في قيام أو ركوع، حتى يصيرا صفا وراءه. (و) وقوف (رجلين) جاءا معا (أو رجال) قصدوا الاقتداء بمصل (خلفه) صفا، (و) ندب وقوف (في صف أول) وهو ما يلي الامام، وإن تخلله منبر أو عمود، (ثم ما يليه) وهكذا. وأفضل كل صف يمينه. ولو ترادف يمين الامام والصف الاول قدم - فيما يظهر - ويمينه أولى من القرب إليه في يساره، وإدراك الصف الاول أولى من إدراك ركوع غير الركعة الاخيرة. أما هي: فإن فوتها قصد الصف الاول فإدراكها أولى من الصف الاول (وكره) لمأموم (انفراد) عن الصف الذي من جنسه إن وجد فيه سعة، بل يدخله. (وشروع في صف قبل إتمام ما قبله) من الصف، ووقوف الذكر الفرد عن يساره، ووراءه، ومحاذيا له، ومتأخرا كثيرا. وكل هذه تفوت فضيلة الجماعة - كما صرحوا به -. ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين والاول والامام على ثلاثة أذرع. ويقف خلف الامام الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء. ولا يؤخر الصبيان للبالغين، لاتحاد جنسهم (و) منها: (علم بانتقال إمام) برؤية له، أو لبعض صف، أو سماع لصوته، أو صوت مبلغ ثقة، (و) منها (اجتماعهما) أي الامام والمأموم (بمكان) كما عهد عليه الجماعات في العصر الخالية، (فإن كانا بمسجد) ومنه جداره ورحبته، وهي ما خرج عنه، لكن حجر لاجله، سواء أعلم وقفيتها مسجد أو جهل أمرها، عملا بالظاهر، وهو التحويط، لكن ما لم يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد لا حريمه، وهو موضع اتصل به وهيئ لمصلحته، كانصباب ماء، ووضع نعال - (صح الاقتداء) وإن زادت المسافة بينهما على ثلثمائة ذراع، أو اختلفت الابنية، بخلاف من ببناء فيه لا ينفذ بابه إليه: سمر، أو كان سطحا لا مرقى له منه، فلا تصح القدوة، إذ لا اجتماع حينئذ - كما لو وقف من وراء شباك بجدار المسجد ولا يصل إليه إلا بازورار أو انعطاف بأن ينحرف عن جهة القبلة لو أراد الدخول إلى الامام (ولو كان أحدهما فيه) أي المسجد (والآخر خارجه شرط) مع قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع تقريبا (عدم حائل) بينهما يمنع مرورا أو رؤية، (أو وقوف واحد) من المأمومين (حذاء منفذ) في الحائل إن كان، كما إذا كانا ببناءين، كصحن وصفة من دار، أو كان أحدهما ببناء والآخر بفضاء، فيشترط أيضا هنا ما مر. فإن حال ما يمنع مرورا كشباك، أو رؤية كباب مردود وإن لم تغلق ضبته، لمنعه المشاهدة، وإن لم يمنع الاستطراق. ومثله الستر المرخى. أو لم يقف أحد حذاء منفذ، لم يصح الاقتداء فيهما. وإذا وقف واحد من المأمومين حذاء المنفذ حتى يرى الامام أو بعض من معه في بنائه، فحينئذ تصح صلاة من بالمكان الآخر، تبعا لهذا المشاهد، فهو في حقهم كالامام، حتى لا يجوز عليه في الموقف والاحرام، ولا بأس بالتقدم عليه في الافعال، ولا يضرهم بطلان صلاته بعد إحرامهم على الاوجه، كرد الريح الباب أثناءها، لانه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. { فرع } لو وقف أحدهما في علو والآخر في سفل، اشترط عدم الحيلولة، لا محاذاة قدم الاعلى رأس الاسفل، وإن كانا في غير مسجد. على ما دل عليه كلام الروضة وأصلها والمجموع - خلافا لجمع متأخيرين. ويكره ارتفاع أحدهما على الآخر بلا حاجة، ولو في المسجد (و) منها (موافقة في سنن تفحش مخالفة فيها) فعلا أو تركا، فتبطل صلاة من وقعت بينه وبين الامام مخالفة في سنة، كسجدة تلاوة فعلها الامام وتركها المأموم عامدا عالما بالتحريم، وتشهد أول فعله الامام وتركه المأموم، أو تركه الامام، وفعله المأموم عامدا عالما، وإن لحقه على القرب، حيث لم يجلس الامام للاستراحة لعدوله عن فرض المتابعة إلى سنة. أما إذا لم تفحش المخالفة فيها فلا يضر الاتيان بالسنة، كقنوت أدرك - مع الاتيان به - الامام في سجدته الاولى. وفارق التشهد الاول بأنه فيه أحدث قعودا لم يفعله الامام، وهذا إنما طول ما كان فيه الامام، فلا فحش، وكذا لا يضر الاتيان بالتشهد الاول إن جلس إمامه للاستراحة، لان الضار إنما هو إحداث جلوس لم يفعله الامام، وإلا لم يجز، وأبطل صلاة العالم العامد، ما لم ينو مفارقته، وهو فراق بعذر، فيكون أولى. وإذا لم يفرغ المأموم منه مع فراغ الامام جاز له التخلف لاتمامه، بل ندب إن علم أنه يدرك الفاتحة بكمالها قبل ركوع الامام، لا التخلف لاتمام سورة، بل يكره، إذا لم يلحق الامام في الركوع (و) منها (عدم تخلف عن إمام بركنين فعليين) متواليين تامين (بلا عذر مع تعمد وعلم) بالتحريم، وإن لم يكونا طويلين. فإن تخلف بهما بطلت صلاته لفحش المخالفة، كأن ركع الامام، واعتدل وهوي للسجود - أي زال من حد القيام - والمأموم قائم. وخرج بالفعليين القوليان، والقولي والفعلي (و) عدم تخلف عنه معهما (بأكثر من ثلاثة أركان طويلة)، فلا يحسب منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين (بعذر أوجبه) أي اقتضى وجوب ذلك التخلف، (كإسراع إمام قراءة) والمأموم بطئ القراءة لعجز خلقي، لا لوسوسة أو الحركات. (وانتظام مأموم سكتته) أي سكتة الامام ليقرأ فيها الفاتحة، فركع عقبها، وسهوه عنها حتى ركع الامام. وشكه فيها قبل ركوعه. أما التخلف لوسوسة، بأن كان يردد الكلمات من غير موجب فليس بعذر. قال شيخنا: ينبغي في ذي وسوسة صارت كالخلقية - بحيث يقطع كل من رآه أنه لا يمكنه تركها - أن يأتي فيه ما في بطئ الحركة، فيلزم المأموم في الصور المذكورة إتمام الفاتحة، ما لم يتخلف بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، وإن تخلف مع عذر بأكثر من الثلاثة بأن لا يفرغ من الفاتحة إلا والامام قائم عن السجود أو جالس للتشهد (فليوافق) إمامه، وجوبا (في) الركن (الرابع) وهو القيام، أو الجلوس للتشهد، ويترك ترتيب نفسه، (ثم يتدارك) بعد سلام الامام ما بقي عليه، فإن لم يوافقه في الرابع، مع علمه بوجوب المتابعة ولم ينو المفارقة بطلت صلاته، إن علم وتعمد. وإن ركع المأموم مع الامام فشك هل قرأ الفاتحة، أو تذكر أنه لم يقرأها ؟ لم يجز له العود إلى القيام، وتدارك بعد سلام الامام ركعة. فإن عاد عالما عامدا بطلت صلاته، وإلا فلا. فلو تيقن القراءة وشك في إكمالها فإنه لا يؤثر (ولو اشتغل مسبوق) وهو من لم يدرك من قيام الامام، قدرا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة وهو ضد الموافق. ولو شك هل أدرك زمنا يسعها ؟ تخلف لا تمامها، ولا يدرك الركعة ما لم يدركه في الركوع (بسنة) كتعوذ، وافتتاح، أو لم يشتغل بشئ، بأن سكت زمنا بعد تحرمه وقبل قراءته، وهو عالم بأن واجبه الفاتحة. أو استمع قراءة الامام (قرأ) - وجوبا - من الفاتحة بعد ركوع الامام، سواء أعلم أنه يدرك الامام قبل رفعه من سجوده أم لا - على الاوجه. (قدرها) حروفا في ظنه، أو قدر زمن من سكوته لتقصيره بعدوله عن فرض إلى غيره. (وعذر) من تخلف لسنة، كبطء القراءة - على ما قاله الشيخان، كالبغوي - لوجوب التخلف، فيتخلف ويدرك الركعة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان، خلافا لما اعتمده جمع محققون من كونه غير معذور لتقصيره بالعدول المذكور. وجزم به شيخنا في شرح المنهاج وفتاويه، ثم قال: من عبر بعذره فعبارته مؤولة. وعليه: إن لم يدرك الامام في الركوع فاتته الركعة، ولا يركع، لانه لا يحسب له، بل يتابعه في هويه للسجود، إلا بطلت صلاته، إن علم وتعمد. ثم قال: والذي يتجه أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الامام الهوي للسجود، فإن كمل وافقه فيه، ولا يركع، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد، وإلا فارقه بالنية. قال شيخنا في شرح الارشاد: والاقرب للمنقول الاول، وعليه أكثر المتأخرين. أما إذا ركع بدون قراءة قدرها فتبطل صلاته. وفي شرح المنهاج - له - عن معظم الاصحاب: أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة. واختير، بل رجحه جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له، وأن كلام الشيخين يقتضيه. أما إذا جهل أن واجبه ذلك فهو تخلفه لما لزمه متخلف بعذر. قاله القاضي. وخرج بالمسبوق الموافق، فإنه إذا لم يتم الفاتحة لاشتغاله بسنة، كدعاء افتتاح، وإن لم يظن إدراك الفاتحة معه، يكون كبطئ القراءة فيما مر، بلا نزاع (وسبقه) أي المأموم، (على إمام) عامدا عالما (ب‍) - تمام (ركنين فعليين) وإن لم يكونا طويلين (مبطل) للصلاة، لفحش المخالفة. وصورة التقدم بهما: أن يركع ويعتدل ثم يهوي للسجود مثلا والامام قائم، أو كأن يركع قبل الامام، فلما أراد الامام أن يركع رفع، فلما أراد الامام أن يركع سجد، فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال. ولو سبق بهما سهوا أو جهلا لم يضر، لكن لا يعتد له بهما. فإذا لم يعد للاتيان بهما مع الامام سهوا أو جهلا أتى بعد سلام إمامه بركعة، وإلا أعاد الصلاة. (و) سبقه عليه عامدا عالما (ب‍) - تمام (ركن فعلي) كأن ركع ورفع والامام قائم (حرام) بخلاف التخلف به فإنه مكروه كما يأتي، ومن تقدم بركن سن له العود ليوافقه إن تعمد، وإلا تخير بين العود والدوام. (ومقارنته) أي مقارنة المأموم الامام (في أفعال)، وكذا أقوال غير تحرم (مكروهة: كتخلف عنه) أي الامام (إلى فراغ ركن) وتقدم عليه بابتدائه، وعند تعمد أحد هذه الثلاثة تفوته فضيلة الجماعة. فهي جماعة صحيحة، لكن لا ثواب عليها، فيسقط إثم تركها أو كراهته. فقول جمع انتفاء الفضيلة، يلزمه الخروج عن المتابعة حتى يصير كالمنفرد ولا تصح له الجمعة، وهم، كما بينه الزركشي وغيره. ويجري ذلك في كل مكروه من حيث الجماعة بأن لم يتصور وجوده في غيرها. فالسنة للمأموم أن يتأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الامام، ويتقدم على فراغه منه، والاكمل من هذا أن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن جميع حركة الامام، ولا يشرع حتى يصل الامام لحقيقة المنتقل إليه، فلا يهوي للركوع والسجود حتى يستوي الامام راكعا، أو تصل جبهته إلى المسجد. ولو قارنه بالتحرم أو تبين تأخر تحرم الامام لم تنعقد صلاته ولا بأس بإعادته التكبير سرا بنية ثانية إن لم يشعروا، ولا بالمقارنة في السلام، وإن سبقه بالفاتحة أو التشهد، بأن فرغ من أحدهما قبل شروع الامام فيه لم يضر. وقيل: تجب الاعادة مع فعل الامام أو بعده، وهو أولى. فعليه إن لم يعده بطلت. ويسن مراعاة هذا الخلاف كما يسن تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الامام، ولو في أوليي السرية إن ظن أنه يقرأ السورة. ولو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة لزمه أن يقرأها مع قراءة الامام (ولا يصح قدوة بمن اعتقد بطلان صلاته) بإن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم، كشافعي اقتدى بحنفي مس فرجه، دون ما إذا افتصد نظرا لاعتقاد المقتدي، لان الامام محدث عنده بالمس دون الفصد، فيتعذر ربط صلاته بصلاة الامام، لانه عنده ليس في صلاة. ولو شك شافعي في إتيان المخالف بالواجبات عند المأموم لم يؤثر في صحة الاقتداء به، تحسينا للظن به في توقي الخلاف، فلا يضر عدم اعتقاده الوجوب { فرع } لو قام إمامه لزيادة، كخامسة، ولو سهوا، لم يجز له متابعته، ولو مسبوقا أو شاكا في ركعة، بل يفارقه، ويسلم، أو ينتظره - على المعتمد (ولا) قدوة (بمقتد) ولو احتمالا، وإن بان إماما. وخرج بمقتد من انقطعت قدوته، كأن سلم الامام فقام مسبوق فاقتدى به آخر صحت، أو قام مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض صحت أيضا - على المعتمد - لكن مع الكراهة. (ولا) قدوة (قارئ بأمي) وهو من يخل بالفاتحة أو بعضها، ولو بحرف منها، بأن يعجز عنه بالكلية، أو عن إخراجه عن مخرجه، أو عن أصل تشديدة، وإن لم يمكنه التعلم ولا علم بحاله، لانه لا يصلح لتحمل القراءة عنه لو أدركه راكعا. ويصح الاقتداء بمن يجوز كونه أميا إلا إذا لم يجهر في جهرية فيلزمه مفارقته، فإن استمر جاهلا حتى سلم لزمته الاعادة، ما لم يتبين أنه قارئ. ومحل عدم صحة الاقتداء بالامي: إن لم يستو الامام والمأموم في الحرف المعجوز عنه، بأن أحسنه المأموم فقط، أو أحسن كل منهما غير ما أحسنه الآخر. ومنه أرت يدغم في غير محله بإبدال، وألثغ يبدل حرفا بآخر. فإن أمكنه التعلم ولم يتعلم لم تصح صلاته، وإلا صحت كاقتدائه بمثله، وكره اقتداء بنحو تأتاء، وفأفاء، ولاحن بما لا يغير معنى، كضم هاء لله وفتح دال نعبد، فإن لحن لحنا يغير المعنى في الفاتحة ك‍ أنعمت بكسر أو ضم، أبطل صلاة من أمكنه التعلم ولم يتعلم، لانه ليس بقرآن. نعم، إن ضاق الوقت صلى لحرمته، وأعاد لتقصيره. قال شيخنا: ويظهر أنه لا يأتي بتلك الكلمة، لانه غير قرآن قطعا، فلم تتوقف صحة الصلاة حينئذ عليها، بل تعمدها - ولو من مثل هذا - مبطل. انتهى. أو في غيرها: صحت صلاته، والقدوة به، إلا إذا قدر وعلم وتعمد، لانه حينئذ كلام أجنبي. وحيث بطلت صلاته هنا يبطل الاقتداء به. لكن للعالم بحاله - كما قاله الماوردي - واختار السبكي ما اقتضاه قول الامام ليس لهذا قراءة غير الفاتحة، لانه يتكلم بما ليس بقرآن، بلا ضرورة من البطلان مطلقا (ولو اقتدى بمن ظنه أهلا) للامامة (فبان خلافه) كأن ظنه قارئا، أو غير مأموم، أو رجلا، أو عاقلا فبان أميا، أو مأموما، أو امرأة، أو مجنونا، أعاد الصلاة وجوبا لتقصيره بترك البحث في ذلك (لا) إن اقتدى بمن ظنه متطهرا فبان (ذا حدث) ولو حدثا أكبر، (أو) ذا (خبث) خفي، ولو في جمعة إن زاد على الاربعين: فلا تجب الاعادة، وإن كان الامام عالما لانتفاء تقصير المأموم، إذ لا أمارة عليهما، ومن ثم حصل له فضل الجماعة. أما إذا بان ذا خبث ظاهر فيلزمه الاعادة على غير الاعمى لتقصيره، وهو ما بظاهر الثوب، وإن حال بين الامام والمأموم حائل. والاوجه في ضبطه أن يكون بحيث لو تأمله المأموم رآه، والخفي بخلافه. وصحح النووي في التحقيق عدم وجوب الاعادة مطلقا (وصح اقتداء سليم بسلس) للبول أو المذي أو الضراط، وقائم بقاعد، ومتوضئ بمتيمم لا تلزمه إعادة (وكره) اقتداء (بفاسق ومبتدع) كرافضي، وإن لم يوجد أحد سواهما - ما لم يخش فتنة - وقيل: لا يصح الاقتداء بهما. وكره أيضا اقتداء بموسوس وأقلف، لا بولد الزنا، لكنه خلاف الاولى. واختار السبكي ومن تبعه انتقاء الكراهة إذا تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه، بل هي أفضل من الانفراد. وجزم شيخنا بأنها لا تزول حينئذ، بل الانفراد أفضل منها. وقال بعض أصحابنا: والاوجه عندي ما قاله السبكي - رحمه الله تعالى { تتمة } وعذر الجماعة كالجمعة، مطر يبل ثوبه للخبر الصحيح: أنه صلي الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الرحال يوم مطر يبل أسفل النعال بخلاف ما لا يبله. نعم، قطر الماء من سقوف الطريق عذر، وإن لم يبله، لغلبة نجاسته أو استقذاره. ووحل لم يأمن معه التلوث بالمشي فيه أو الزلق، وحر شديد، وإن وجد ظلا يمشي فيه، وبرد شديد، وظلمة شديدة بالليل، ومشقة مرض وإن لم تبح الجلوس في الفرض، لا صداع يسير ومدافعة حدث من بول أو غائط أو ريح، فتكره الصلاة معها. وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ نفسه - كما صرح به جمع - وحدوثها في الفرض لا يجوز قطعه، ومحل ما ذكر في هذه: إن اتسع الوقت، بحيث لو فرغ نفسه أدرك الصلاة كاملة، وإلا حرم التأخير لذلك. وفقد لباس لائق به وإن وجد ساتر العورة، وسير رفقة، لمريد سفر مباح وإن أمن، لمشقة استيحاشه وخوف ظالم على معصوم من عرض أو نفس أو مال، وخوف من حبس غريم معسر، وحضور مريض وإن لم يكن نحو قريب بلا متعهد له، أو كان نحو قريب محتضرا، أو لم يكن محتضرا، لكن يأنس به، وغلبة نعاس عند انتظاره للجماعة، وشدة جوع، وعطش، وعمى حيث لم يجد قائدا بأجرة المثل. وإن أحسن المشي بالعصا { تنبيه } إن هذه الاعذار تمنع كراهة تركها حيث سنت، وإثمه حيث وجبت، ولا تحصل فضيلة الجماعة - كما قال النووي في المجموع، واختار غيره ما عليه جمع متقدمون - من حصولها إن قصدها لولا العذر قال في المجموع: يستحب - لمن ترك الجمعة بلا عذر - أن يتصدق بدينار، أو نصفه، لخبر أبي داود وغيره
{ فصل في صلاة الجمعة }
هي فرض عين عند اجتماع شرائطها. وفرضت بمكة، ولم تقم بها لفقد العدد، أو لان شعارها الاظهار، وكان صلي الله عليه وسلم مستخفيا فيها. وأول من أقامها بالمدينة قبل الهجرة أسعد بن زرارة، بقرية على ميل من المدينة. وصلاتها أفضل الصلوات. وسميت بذلك: لاجتماع الناس لها، أو لان آدم اجتمع فيها مع حواء من مزدلفة، فلذلك سميت جمعا. (تجب جمعة على) كل (مكلف) أي بالغ عاقل، (ذكر، حر)، فلا تلزم على أنثى، وخنثى، ومن به رق - إن كوتب - لنقصه، (متوطن) بمحل الجمعة لا يسافر من محل إقامتها - صيفا ولا شتاء - إلا لحاجة، كتجارة، وزيارة، (غير معذور) بنحو مرض، من الاعذار التي مرت في الجماعة، فلا تلزم على مريض إن لم يحضر بعد الزوال محل إقامتها، وتنعقد بمعذور، (و) تجب (على مقيم) بمحل إقامتها غير متوطن، كمن أقام بمحل جمعة أربعة أيام فأكثر، وهو على عزم العود إلى وطنه، ولو بعد مدة طويلة. وعلى مقيم متوطن بمحل يسمع منه النداء ولا يبلغ أهله أربعين، فتلزمهما الجمعة (و) لكن (لا تنعقد) الجمعة (به) أي بمقيم غير متوطن، ولا بمتوطن خارج بلد إقامتها، وإن وجبت عليه بسماعه النداء منها. (ولا بمن به رق وصبا)، بل تصح منهم، لكن ينبغي تأخر إحرامهم عن إحرام أربعين ممن تنعقد به الجمعة - على ما اشترطه جمع محققون، وإن خالف فيه كثيرون (وشرط) لصحة الجمعة - مع شروط غيرها - ستة: احدها: (وقوعها جماعة) بنية إمامة واقتداء، مقترنة بتحرم (في الركعة الاولى)، فلا تصح الجمعة بالعدد فرادى، ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية. فلو صلى الامام بالاربعين ركعة ثم أحدث فأتم كل منهم ركعة واحدة، أو لم يحدث بل فارقوه في الثانية، وأتموا منفردين، أجزأتهم الجمعة. نعم، يشترط بقاء العدد إلى سلام الجميع، حتى لو أحدث واحد من الاربعين قبل سلامه، ولو بعد سلام من عداه منهم، بطلت جمعة الكل. ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية واستمر معه إلى أن سلم، أتى بركعة بعد سلامه جهرا وتمت جمعته إن صحت جمعة الامام وكذا من اقتدى به وأدرك ركعة معه - كما قاله شيخنا -. وتجب على من جاء بعد ركوع. الثانية: نية الجمعة - على الاصح - وإن كانت الظهر هي اللازمة له -. وقيل: تجوز نية الظهر. وأفتى به البلقيني وأطال الكلام فيه (و) ثانيها: وقوعها (بأربعين) ممن تنعقد بهم الجمعة، ولو مرضى، ومنهم الامام. ولو كانوا أربعين فقط وفيهم أمي واحد أو أكثر قصر في التعلم، لم تصح جمعتهم، لبطلان صلاته فينقصون. أما إذا لم يقصر الامي في التعلم فتصح الجمعة به - كما جزم به شيخنا في شرحي العباب والارشاد، تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض - ثم قال في شرح المنهاج: لا فرق هنا بين أن يقصر الامي في التعلم، وأن لا يقصر. والفرق بينهما غير قوي. انتهى. ولو نقصوا فيها بطلت، أو في خطبة لم يحسب ركن فعل حال نقصهم، لعدم سماعهم له. فإن عادوا قريبا عرفا جاز البناء على ما مضى، وإلا وجب الاستئناف، كنقصهم بين الخطبة والصلاة، لانتفاء الموالاة فيهما. { فرع } من له مسكنان ببلدين، فالعبر بما كثرت فيه إقامته، فيما فيه أهله وماله. وإن كان بواحد أهل وبآخر مال، فبما فيه أهله، فإن استويا في الكل، فبالمحل الذي هو فيه حالة إقامة الجمعة. ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين، خلافا لابي حنيفة - رحمه الله تعالى - فتنعقد عنده بأربعة، ولو عبيدا أو مسافرين. ولا يشترط عندنا إذن السلطان لاقامتها ولا كون محلها مصرا، خلافا له فيهما. وسئل البلقيني عن أهل قرية لا يبلغ عددهم أربعين، هل يصلون الجمعة أو الظهر ؟ فأجاب - رحمه الله -: يصلون الظهر على مذهب الشافعي. وقد أجاز جمع من العلماء أن يصلوا الجمعة، وهو قوي، فإذا قلدوا - أي جميعهم - من قال هذه المقالة، فإنهم يصلون الجمعة. وإن احتاطوا فصلوا الجمعة ثم الظهر كان حسنا (و) ثالثها: وقوعها (بمحل معدود من البلد) ولو بفضاء الظهر كان حسنا معدود منها، بأن كان في محل لا تقصر فيه الصلاة، وإن لم يتصل بالابنية، بخلاف محل غير معدود منها، وهو ما يجوز السفر القصر منه. { فرع } لو كان في قرية أربعون كاملون لزمتهم الجمعة، بل يحرم عليهم - على المعتمد - تعطيل محلهم من إقامتها، والذهاب إليها في بلد أخرى، وإن سمعوا النداء. قال ابن الرفعة وغيره: إنهم إذا سمعوا النداء من مصر، فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد للجمعة، وبين أن يقيموها في قريتهم، وإذا حضروا البلد لا يكمل بهم العدد لانهم في حكم المسافرين، وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة - ولو بامتناع بعضهم منها - يلزمهم السعي إلى بلد يسمعون من جانبه النداء. قال ابن عجيل: ولو تعددت مواضع متقاربة وتميز كل باسم، فلكل حكمه. قال شيخنا: إنما يتجه ذلك إن عد كل مع ذلك قرية مستقلة عرفا. { فرع } لو أكره السلطان أهل قرية إن ينتقلوا منها ويبنوا في موضع آخر، فسكنوا فيه وقصدهم العود إلى البلد الاول إذا فرج الله عنهم، لا تلزمهم الجمعة، بل لا تصح منهم، لعدم الاستيطان (و) رابعها: وقوعها (في وقت ظهر) فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها، أو شك في ذلك، صلوا ظهرا، ولو خرج الوقت يقينا، أو ظنا، وهم فيها، ولو قبيل السلام، وإن كان ذلك بإخبار عدل، على الاوجه، وجب الظهر، بناء على ما مضى، وفاتت الجمعة، بخلاف ما لو شك في خروجه، لان الاصل بقاؤء. ومن شروطهما أن لا يسبقها بتحرم، ولا يقارنها فيه جمعة بمحلها، إلا أن كثر أهله، وعسر اجتماعهم بمكان واحد منه - ولو غير مسجد - من غير لحوق مؤذ فيه، كحر وبرد شديدين، فيجوز حينئذ تعددها للحاجة بحسبها { فرع } لا يصح ظهر من لا عذر له قبل سلام الامام، فإن صلاها جاهلا انعقدت نفلا، ولو تركها أهل بلد فصلوا الظهر لم يصح، ما لم يضق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والصلاة، وإن علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة (و) خامسها: (وقوعها) أي الجمعة، (بعد خطبتين) بعد زوال، لما في الصحيحين: أنه (ص) لم يصل الجمعة إلا بخطبتين (بأركانهما) أي يشترط وقوع صلاة الجمعة بعد خطبتين مع إتيان أركانهما الآتية، (وهي) خمسة. أحدها: (حمد الله تعالى). (و) ثانيها: (صلاة على النبي) (ص) (بلفظهما): أي حمد الله والصلاة على رسول الله (ص)، كالحمد لله، أو أحمد الله، فلا يكفي: الشكر لله، أو الثناء لله، ولا: الحمد للرحمن، أو للرحيم، وكاللهم صل، أو صلى الله، أو أصلي على محمد، أو أحمد، أو الرسول، أو النبي أو الحاشر أو نحوه فلا يكفي: اللهم سلم على محمد وارحم محمدا، ولا صلى الله عليه، بالضمير. وإن تقدم له ذكر يرجع إليه الضمير، كما صرح به جمع محققون. وقال الكمال الدميري: وكثيرا ما يسهو الخطباء في ذلك. انتهى. فلا تغتر بما تجده مسطورا في بعض الخطب النباتية على خلاف ما عليه محققو المتأخرين. (و) ثالثها: (وصية بتقوى الله) ولا يتعين لفظها ولا تطويلها، بل يكفي نحو أطيعوا الله - مما فيه حث على طاعة الله، أو زجر عن معصية، لانها المقصود من الخطبة، فلا يكفي مجرد التحذير من غرور الدنيا، وذكر الموت وما فيه من الفظاعة والالم. قال ابن الرفعة: يكفي فيها ما اشتملت على الامر بالاستعداد للموت. ويشترط أن يأتي بكل من الاركان الثلاثة (فيهما)، أي في كل واحدة من الخطبتين. ويندب أن يرتب الخطيب الاركان الثلاثة، وما بعدها، بأن يأتي أولا بالحمد، فالصلاة، فالوصية، فبالقراءة، فبالدعاء. (و) رابعها: (قراءة آية) مفهمة (في إحداهما)، وفي الاولى أولى. وتسن - بعد فراغها - قراءة ق أو بعضها في كل جمعة، للاتباع. (و) خامسها: (دعاء) أخروي للمؤمنين إن لم يتعرض للمؤمنات، خلافا للاذرعي، (ولو) بقوله: (رحمكم الله)، وكذا بنحو: اللهم أجرنا من النار - إن قصد تخصيص الحاضرين (في) خطبة (ثانة) لاتباع السلف والخلف. والدعاء للسلطان بخصوصه لا يسن اتفاقا، إلا مع خشية فتنة، فيجب، ومع عدمها لا بأس به، حيث لا مجازفة في وصفه، ولا يجوز وصفه بصفة كاذبة إلا لضرورة. ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا، وكذا لولاة المسلمين وجيوشهم، بالصلاح، والنصر، والقيام بالعدل. وذكر المناقب لا يقطع الولاة، ما لم يعد به معرضا عن الخطبة. وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة، كما يفعله كثير من الخطباء الجهال. قال شيخنا: ولو شك في ترك فرض من الخطبة بعد فراغها لم يؤثر كما لا يؤثر الشك في ترك فرض بعد الصلاة، أو الوضوء (وشرط فيهما)، الخطبتين، (إسماع أربعين) أي تسعة وثلاثين سواه، ممن تنعقد بهم الجمعة (الاركان) لا جميع الخطبة. قال شيخنا: لا تجب الجمعة على أربعين بعضهم أصم، ولا تصح مع وجود لغط يمنع سماع ركن الخطبة على المعتمد فيهما، وإن خالف فيه جمع كثيرون، فلم يشترطوا إلا الحضور فقط. وعليه يدل كلام الشيخين في بعض المواضع، ولا يشترط كونهم بمحل الصلاة، ولا فهمهم لما يسمعونه. (و) شرط فيهما (عربية) لاتباع السلف والخلف. وفائدتها بالعربية - مع عدم معرفتهم لها - العلم بالوعظ في الجملة. قاله القاضي. وإن لم يمكن تعلمها بالعربية قبل ضيق الوقت خطب منهم واحد بلسانهم، وإن أمكن تعلمها وجب كل على الكفاية، (وقيام قادر عليه، وطهر) من حدث أكبر وأصغر، وعن نجس غير معفو عنه، في ثوبه، وبدنه، ومكانه. (وستر) للعورة. (و) شرط (جلوس بينهما) بطمأنينة فيه، وسن أن يكون بقدر سورة الاخلاص، وأن يقرأها فيه. ومن خطب قاعدا لعذر فصل بينهما بسكتة وجوبا. وفي الجواهر: لو لم يجلس حسبتا واحدة، فيجلس ويأتي بثالثة. (وولاء) بينهما وبين أركانهما، وبينهما وبين الصلاة، بأن لا يفصل طويلا عرفا. وسيأتي أن اختلال الموالاة بين المجموعتين بفعل ركعتين، بل بأقل مجزئ، فلا يبعد الضبط بهذا هنا، ويكون بيانا للعرف (وسن لمريدها) أي الجمعة، وإن لم تلزمه، (غسل) بتعميم البدن والرأس بالماء، فإن عجز، سن تيمم بنية الغسل، (بعد) طلوع (فجر). وينبغي لصائم خشي منه مفطرا تركه، وكذا سائر الاغسال المسنونة، وقربه من ذهابه إليها أفضل. ولو تعارض الغسل والتبكير، فمراعاة الغسل أولى، للخلاف في وجوبه، ومن ثم كره تركه. ومن الاغسال المسنونة: غسل العيدين، والكسوفين، والاستسقاء، وأغسال الحج، وغسل غاسل الميت، والغسل للاعتكاف، ولكل ليلة من رمضان، ولحجامة، ولتغير الجسد، وغسل الكافر إذا أسلم - للامر به - ولم يجب، لان كثيرين أسلموا ولم يؤمروا به. وهذا إذا لم يعرض له في الكفر ما يوجب الغسل - من جنابة أو نحوها - وإلا وجب الغسل. وإن اغتسل في الكفر، لبطلان نيته. وآكدها غسل الجمعة ثم من غسل الميت. (تنبيه) قال شيخنا: يسن قضاء غسل الجمعة - كسائر الاغسال المسنونة - وإنما طلب قضاؤه لانه إذا علم أنه يقضى داوم على أدائه، واجتنب تفويته. (وبكور) - لغير خطيب - إلى المصلى من طلوع الفجر، لما في الخبر الصحيح: إن للجائي بعد اغتساله غسل الجنابة - أي كغسلها، وقيل حقيقة بأن يكون جامع، لانه يسن ليلة الجمعة أو يومها - في الساعة الاولى بدنة، وفي الثانية: بقرة، وفي الثالثة: كبشا أقرن، والرابعة: دجاجة، والخامسة: عصفورا، والسادسة: بيضة. والمراد أن ما بين الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية، سواء أطال اليوم، أم قصر. أما الامام فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة، للاتباع. ويسن الذهاب إلى المصلى في طريق طويل، ماشيا بسكينة، والرجوع في طريق آخر قصير، وكذا في كل عبادة. ويكره عدو إليها، كسائر العبادات، إلا لضيق وقت، فيجب، إذا لم يدركها إلا به. (وتزين بأحسن ثيابه) وأفضلها الابيض، ويلي الابيض ما صبغ قبل نسجه. قال شيخنا: ويكره ما صبغ بعده، ولو بغير الحمرة. اه‍. ويحرم التزين بالحرير، ولو قزا، وهو نوع منه كمد اللون، وما أكثره وزنا - من الحرير، لا ما أقله منه، ولا ما استوى فيه الامران. ولو شك في الاكثر، فالاصل الحل، على الاوجه { فرع } يحل الحرير لقتال، إن لم يجد غيره، أو لم يقم مقامه في دفع السلاح. وصحح في الكفاية قول جمع: يجوز القباء وغيره مما يصلح للقتال وإن وجد غيره، إرهابا للكفار، كتحلية السيف بفضة. ولحاجة كجرب إن آذاه غيره، أو كان فيه نفع لا يوجد في غيره، وقمل لم يندفع بغيره، ولامرأة ولو بافتراش، لا له، بلا حائل. ويحل منه - حتى للرجل - خيط السبحة، وزر الجيب، وكيس المصحف والدراهم، وغطاء العمامة، وعلم الرمح، لا الشرابة التي برأس السبحة. ويجب لرجل لبسه حيث لم يجد ساتر العورة غيره، حتى في الخلوة. ويجوز لبس الثوب المصبوغ بأي لون كان، إلا المزعفر. ولبس الثوب المتنجس في غير نحو الصلاة، حيث لا رطوبة، لا جلد ميتة، بلا ضرورة، كافتراش جلد سبع كأسد، وله إطعام ميتة لنحو طير، لا كافر، ومتنجس لدابة، ويحل مع الكراهة، استعمال العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة، وإسراج بمتنجس بغير مغلظ إلا في مسجد، وإن قل دخانه - خلافا لجمع -. وتسميد أرض بنجس، لا اقتناء كلب - إلا لصيد أو حفظ مال - ويكره - ولو لامرأة - تزيين غير الكعبة، كمشهد صالح بغير حرير، ويحرم به (وتعمم) لخبر: إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة، ويسن لسائر الصلوات. وورد في حديث ضعيف ما يدل على أفضلية كبرها. وينبغي ضبط طولها وعرضها بما يليق بلابسها عادة، في زمانه، فإن زاد فيها على ذلك كره، وتنخرم مروأة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق به، وعكسه. قال الحفاظ: لم يتحرر شئ في طول عمامته صلي الله عليه وسلم وعرضها. قال الشيخان: من تعمم فله فعل العذبة، وتركها، ولا كراهة في واحد منهما. زاد النووي: لانه لم يصح في النهي عن ترك العذبة شئ. انتهى. لكن قد ورد في العذبة أحاديث صحيحة وحسنة، وقد صرحوا بأن أصلها سنة. قال شيخنا: وإرسالها بين الكتفين أفضل منه على الايمن. ولا أصل في اختيار إرسالها على الايسر. وأقل ما ورد في طولها أربعة أصابع، وأكثره ذراع. قال ابن الحاج المالكي: عليك أن تتعمم قائما، وتتسرول قاعدا. قال في المجموع: ويكره أن يمشي في نعل واحدة، ولبسها قائما، وتعليق جرس فيها. ولمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه. (وتطيب) لغير صائم - على الاوجه - لما في الخبر الصحيح: أن الجمع بين الغسل، ولبس الاحسن، والتطيب، والانصات، وترك التخطي، يكفر ما بين الجمعتين. والتطيب بالمسك أفضل، ولا تسن الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم عند شمه، بل حسن الاستغفار عنده - كما قال شيخنا -، وندب تزين بإزالة ظفر من يديه، ورجليه، لا إحداهما، فيكره. وشعر نحو إبطه وعانته لغير مريد التضحية في عشر ذي الحجة، وذلك للاتباع. وبقص شاربه حتى تبدو حمرة الشفة وإزالة ريح كريه، ووسخ. والمعتمد في كيفية تقليم اليدين: أن يبتدئ بمسبحة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها، ثم خنصر يسارها إلى إبهامها على التوالي، والرجلين: أن يبتدئ بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى على التوالي، وينبغي البدار بغسل محل القلم، ويسن فعل ذلك يوم الخميس أو بكرة الجمعة. وكره المحب الطبري نتف شعر الانف، قال: بل يقصه، لحديث فيه. قال الشافعي - رضي الله عنه -: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله. (و) سن (إنصات) أي سكوت مع إصغاء (لخطبة)، ويسن ذلك، وإن لم يسمع الخطبة، نعم، الاولى - لغير السامع - أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا، ويكره الكلام، ولا يحرم، خلافا للائمة الثلاثة: حالة الخطبة، لاقبلها، ولو بعد الجلوس على المنبر، ولا بعدها، ولا بين الخطبتين، ولا حال الدعاء للمملوك، ولا لداخل مسجد، إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه. ويكره للداخل السلام، وإن لم يأخذ لنفسه مكانا، لاشتغال المسلم عليهم، فإن سلم لزمهم الرد، ويسن تشميت العاطس، والرد عليه، ورفع الصوت - من غير مبالغة - بالصلاة والسلام عليه صلي الله عليه وسلم عند ذكر الخطيب اسمه أو وصفه صلي الله عليه وسلم. قال شيخنا: ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة، بلا رفع صوت. وكذا التأمين لدعاء الخطيب. اه‍ وتكره تحريما - ولو لمن لم تلزمه الجمعة بعد جلوس الخطيب على المنبر: وإن لم يسمع الخطبة - صلاة فرض، ولو فائتة تذكرها الآن، وإن لزمته فورا، أو نفل، ولو في حال الدعاء للسلطان. والاوجه أنها لا تنعقد كالصلاة بالوقت المكروه، بل أولى. ويجب على من بصلاة تخفيفها، بأن يقتصر على أقل مجزئ عند جلوسه على المنبر. وكره لداخل تحية فوتت تكبيرة الاحرام إن صلاها، إلا فلا تكره، بل تسن، لكن يلزمه تخفيفها بأن يقتصر على الواجبات - كما قاله شيخنا - وكره احتباء حالة الخطبة للنهي عنه، وكتب أوراق حالتها في آخر جمعة من رمضان، بل وإن كتب فيها نحو اسماء سريانية يجهل معناها حرم (و) سن (قراءة) سورة (كهف) يوم الجمعة وليلتها، لاحاديث فيها. وقراءتها نهارا آكد، وأولاه بعد الصبح، مسارعة للخير، وأن يكثر منها، ومن سائر القرآن فيهما. ويكره الجهر بقراءة الكهف وغيره إن حصل به تأذ لمصل أو نائم - كما صرح النووي في كتبه - وقال شيخنا في شرح العباب: ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد. وحمل كلام النووي بالكراهة: على ما إذا خف التأذي، وعلى كون القراءة في غير المسجد، وإكثار صلاة على النبي صلي الله عليه وسلم (يومها وليلتها) للاخبار الصحيحة الآمرة بذلك، فالاكثار منها أفضل من إكثار ذكر لم يرد بخصوصه. قاله شيخنا. (ودعاء) في يومها، رجاء أن يصادف ساعة الاجابة، وأرجاها، من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة. وهي لحظة لطيفة. وصح أنها آخر ساعة بعد العصر، وفي ليلتها لما جاء عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه بلغه أن الدعاء يستجاب فيها، وأنه استحبه فيها. وسن إكثار فعل الخير فيهما - كالصدقة وغيرها - وأن يشتغل - في طريقه وحضوره محل الصلاة - بقراءة، أو ذكر، أفضله الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم قبل الخطبة، وكذا حالة الخطبة إن لم يسمعها - كما مر - للاخبار المرغبة في ذلك. وأن يقرأ عقب سلامه من الجمعة - قبل أن يثني رجليه، وفي رواية: قبل أن يتكلم - الفاتحة، والاخلاص، والمعوذتين، سبعا سبعا، لما ورد أن من قرأها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الاجر بعدد من آمن بالله ورسوله.. { مهمة } يسن أن يقرأها، وآية الكرسي، و * (شهد الله) *، بعد كل مكتوبة وحين يأوي إلى فراشه، مع أواخر البقرة، والكافرون، ويقرأ خواتيم الحشر وأول غافر - إلى إليه المصير و * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) * إلى آخرها، صباحا ومساء، مع أذكارهما، وأن يواظب كل يوم على قراءة آلم، السجدة، ويس، والدخان، والواقعة، وتبارك، والزلزلة، والتكاثر وعلى الاخلاص مائتي مرة، والفجر في عشر ذي الحجة، ويس، والرعد عند المحتضر. ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة (وحرم تخط) رقاب الناس، للاحاديث الصحيحة فيه، والجزم بالحرمة ما نقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي، واختارها في الروضة، وعليها كثيرون. لكن قضية كلام الشيخين: الكراهة، وصرح بها في المجموع (لا لمن وجد فرجة قدامه) فله - بلا كراهة - تخطي صف واحد أو اثنين، ولا لامام لم يجد طريقا إلى المحراب إلا بتخطي، ولا لغيره إذا أذنوا له فيه لا حياء على الاوجه، ولا لمعظم ألف موضعا. ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة، ويحرم أن يقيم أحدا - بغير رضاه - ليجلس مكانه. ويكره إيثار غيره بمحله، إلا إن انتقل لمثله أو أقرب منه إلى الامام. وكذا الايثار بسائر القرب. وله تنحية سجادة غيره - بنحو رجله - والصلاة في محلها، ولا يرفعها - ولو بغير يده - لدخولها في ضمانه (و) حرم على من تلزمه الجمعة (نحو مبايعة) كاشتغال بصنعة (بعد) شروع في (أذان خطبة)، فإن عقد صح العقد، ويكره قبل الاذان بعد الزوال. (و) حرم على من تلزمه الجمعة - وإن لم تنعقد به - (سفر) تفوت به الجمعة، كأن ظن أنه لا يدركها في طريقه أو مقصده، ولو كان السفر طاعة مندوبا، أو واجبا، (بعد فجرها) أي فجر يوم الجمعة، إلا خشي من عدم سفره ضررا، كانقطاعه عن الرفقة، فلا يحرم إن كان غير سفر معصية، ولو بعد الزوال، ويكره السفر ليلة الجمعة، لما روي بسند ضعيف: من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه. أما المسافر لمعصية فلا تسقط عنه الجمعة مطلقا. قال شيخنا: وحيث حرم عليه السفر هنا لم يترخص ما لم تفت الجمعة، فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها { تتمة } يجوز لمسافر سفرا طويلا قصر رباعية، مؤداة، وفائتة سفر قصر فيه، وجمع العصرين والمغربين تقديما وتأخيرا، بفراق سور خاص ببلد سفر، وإن احتوى على خراب ومزارع. ولو جمع قريتين، فلا يشترط مجاوزته، بل لكل حكمه، فبنيان وإن تخلله خراب أو نهر أو ميدان. ولا يشترط مجاوزة بساتين وإن حوطت واتصلت بالبلد، والقريتان إن اتصلتا عرفا كقرية، وإن اختلفتا اسما، فلو انفصلتا - ولو يسيرا - كفى مجاوزة قرية المسافر، لا لمسافر لم يبلغ سفره مسيرة يوم وليلة بسير الاثقال مع النزول المعتاد لنحو استراحة وأكل وصلاة، ولا لآبق، ومسافر عليه دين حال قادر عليه من غير إذن دائنه، ولا لمن سافر لمجرد رؤية البلاد - على الاصح -. وينتهي السفر بعوده إلى وطنه، وإن كان مارا به، أو إلى موضع آخر، ونوى إقامته به مطلقا، أو أربعة أيام صحاح، أو علم أن إربه لا ينقضي فيها، ثم إن كان يرجو حصوله كل وقت: قصر ثمانية عشر يوما. وشرط لقصر نية قصر في تحرم، وعدم اقتداء - ولو لحظة - بمتم ولو مسافرا وتحرز عن منافيها دواما، ودوام سفره في جميع صلاته، ولجمع تقديم، نية جمع في الاولى - ولو مع التحلل منها - وترتيب، وولاء عرفا، فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر ركعتين، ولتأخير نية جمع في وقت الاولى ما بقي قدر ركعة، وبقاء سفر إلى آخر الثانية. { فرع } يجوز الجمع بالمرض تقديما وتأخيرا - على المختار - ويراعي الارفق، فإن كان يزداد مرضه - كأن كان يحم مثلا وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم، أو وقت الاولى أخرها بنية الجمع في وقت الاولى. وضبط جمع متأخرون المرض هنا بأنه ما يشق معه فعل كل فرض في وقته، كمشقة المشي في المطر، بحيث تبتل ثيابه. وقال آخرون: لا بد من مشقة ظاهرة زيادة على ذلك، بحيث تبيح الجلوس في الفرض. وهو الاوجه { خاتمة } قال شيخنا في شرح المنهاج: من أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها، لزمه إعادتها، لان إقدامه على فعلها عبث
{ فصل في الصلاة على الميت }
وشرعت بالمدينة. وقيل هي من خصائص هذه الامة. (صلاة الميت) أي الميت المسلم غير الشهيد (فرض كفاية) للاجماع والاخبار، (كغسله، ولو غريقا) لانا مأمورون بغسله، فلا يسقط الفرض عنا إلا بفعلنا، وإن شاهدنا الملائكة تغسله. ويكفي غسل كافر، ويحصل أقله (بتعميم بدنه بالماء) مرة حتى ما تحت قلفة الاقلف - على الاصح - صبيا كان الاقلف أو بالغا. قال العبادي وبعض الحنفية: لا يجب غسل ما تحتها. فعلى المرجح لو تعذر غسل ما تحت القلفة بأنها لا تتقلص إلا بجرح، يمم عما تحتها. كما قاله شيخنا، وأقره غيره. وأكمله: تثليثه، وأن يكون في خلوة، وقميص، وعلى مرتفع بماء بارد - إلا لحاجة كوسخ وبرد، فالمسخن حينئذ أولى. والمالح أولى من العذب. ويبادر بغسله إذا تيقن موته، ومتى شك في موته وجب تأخيره إلى اليقين، بتغير ريح ونحوه. فذكرهم العلامات الكثيرة له إنما تفيد، حيث لم يكن هناك شك. ولو خرج منه بعد الغسل نجس لم ينقض الطهر، بل تجب إزالته فقط إن خرج قبل التكفين، لا بعده. ومن تعذر غسله - لفقد ماء أو لغيره: كاحتراق، ولو غسل تهرى - يمم وجوبا { فرع } الرجل أولى بغسل الرجل، والمرأة أولى بغسل المرأة، وله غسل حليلة، ولزوجة لا أمة غسل زوجها، ولو نكحت غيره، بلا مس، بل بلف خرقة على يد. فإن خالف صح الغسل. فإن لم يحضر إلا أجنبي في المرأة أو أجنبية في الرجل، يمم الميت. نعم، لهما غسل من لا يشتهى من صبي أو صبية، لحل نظر كل ومسه. وأولى الرجال به أولاهم بالصلاة - كما يأتي. (وتكفينه بساتر عورة) مختلفة بالذكورة والانوثة، دون الرق والحرية، فيجب في المرأة - ولو أمة - ما يستر غير الوجه والكفين. وفي الرجل ما يستر ما بين السرة والركبة. والاكتفاء بساتر العورة هو ما صححه النووي في أكثر كتبه، ونقله عن الاكثرين، لانه حق لله تعالى. وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن - ولو رجلا -. وللغريم منع الزائد على ساتر كل البدن، لا الزائد على ساتر العورة، لتأكد أمره، وكونه حقا للميت بالنسبة للغرماء، وأكمله للذكر ثلاثة يعم كل منها البدن، وجاز أن يزاد تحتها قميص وعمامة، وللانثى إزار، فقميص، فخمار فلفافتان. ويكفن الميت بما له لبسه حيا، فيجوز حرير ومزعفر للمرأة والصبي، مع الكراهة. ومحل تجهيزه: التركة، إلا زوجة وخادمها: فعلى زوج غني عليه نفقتهما، فإن لم يكن له تركة فعلى من عليه نفقته، من قريب، وسيد، فعلى بيت المال، فعلى مياسير المسلمين. ويحرم التكفين في جلد إن وجد غيره، وكذا الطين، والحشيش، فإن لم يوجد ثوب وجب جلد، ثم حشيش، ثم طين - فيما استظهره شيخنا -. ويحرم كتابة شئ من القرآن واسماء الله تعالى على الكفن. ولا بأس بكتابته بالريق، لانه لا يثبت. وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير - ولو امرأة - كما يحرم تزيين بيتها بحرير. وخالفه الجلال البلقيني، فجوز الحرير فيها وفي الطفل، واعتمده جمع، مع أن القياس الاول. (ودفنه في حفرة تمنع) بعد طمها (رائحة) أي ظهورها، (وسبعا) أي نبشه لها، فيأكل الميت. وخرج بحفرة: وضعه بوجه الارض ويبنى عليه ما يمنع ذينك، حيث لم يتعذر الحفر. نعم، من مات بسفينة وتعذر البر جاز إلقاؤه في البحر، وتثقيله ليرسب، وإلا فلا. وبتمنع ذينك ما يمنع أحدهما - كأن اعتادت سباع ذلك المحل الحفر عن موتاه - فيجب بناء القبر، بحيث يمنع وصولها إليه. وأكمله قبر واسع عمق أربعة أذرع ونصف بذراع اليد. ويجب اضطجاعه للقبلة. ويندب الافضاء بخده الايمن - بعد تنحية الكفن عنه - إلى نحو تراب، مبالغة في الاستكانة والذل، ورفع رأسه بنحو لبنة. وكره صندوق - إلا لنحو نداوة فيجب - ويحرم دفنه بلا شئ يمنع وقوع التراب عليه ويحرم دفن اثنين من جنسين بقبر، إن لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، ومع أحدهما كره - كجمع متحدي جنس فيه بلا حاجة. ويحرم أيضا: إدخال ميت على آخر، وإن اتحدا جنسا، قبل بلاء جميعه، ويرجع فيه لاهل الخبرة بالارض. ولو وجد بعض عظمه قبل تمام الحفر وجب رد ترابه، أو بعده فلا. ويجوز الدفن معه، ولا يكره الدفن ليلا - خلافا للحسن البصري - والنهار أفضل للدفن منه، ويرفع القبر قدر شبر ندبا، وتسطيحه أولى من تسنيمه. ويندب لمن على شفير القبر أن يحثي ثلاث حثيات بيديه قائلا مع الاولى: * (منها خلقناكم) *. ومع الثانية: * (وفيها نعيدكم) *. ومع الثالثة: * (ومنها نخرجكم تارة أخرى) { مهمة } يسن وضع جريدة خضراء على القبر، للاتباع، ولانه يخفف عنه ببركة تسبيحها. وقيس بها ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب. ويحرم أخذ شئ منهما ما لم ييبسا لما في أخذ الاولى من تفويت حظ الميت المأثور عنه صلي الله عليه وسلم ، وفي الثانية من تفويت حق الميت بارتياح الملائكة النازلين لذلك. قاله شيخانا ابن حجر وزياد. (وكره بناء له) أي للقبر، (أو عليه) لصحة النهي عنه بلا حاجة، كخوف نبش، أو حفر سبع أو هدم سيل. ومحل كراهة البناء، إذا كان بملكه، فإن كان بناء نفس القبر بغير حاجة مما مر، أو نحو قبة عليه بمسبلة، وهي ما اعتاد أهل البلد الدفن فيها، عرف أصلها ومسبلها أم لا، أو موقوفة، حرم، وهدم وجوبا، لانه يتأبد بعد انمحاق الميت، ففيه تضييق على المسلمين بما لا غرض فيه { تنبيه } وإذا هدم، ترد الحجارة المخرجة إلى أهلها إن عرفوا، أو يخلى بينهما، وإلا فمال ضائع، وحكمه معروف - كما قاله بعض أصحابنا - وقال شيخنا الزمزمي: إذا بلي الميت وأعرض ورثته عن الحجارة، جاز الدفن مع بقائها، إذا جرت العادة بالاعراض عنها، كما في السنابل (و) كره (وطئ عليه) أي على قبر مسلم، ولو مهدرا قبل بلاء (إلا لضرورة)، كأن لم يصل لقبر ميته بدونه، وكذا ما يريد زيارته ولو غير قريب. وجزم شرح مسلم - كآخرين - بحرمة القعود عليه والوطئ، لخبر فيه يرده أن المراد بالجلوس عليه جلوسه لقضاء الحاجة، كما بينته رواية أخرى. (ونبش) وجوبا قبر من دفن بلا طهارة (لغسل) أو تيمم. نعم، إن تغير ولو بنتن، حرم. ولاجل مال غير، كأن دفن في ثوب مغصوب، أو أرض مغصوبة، إن طلب المالك، ووجد ما يكفن أو يدفن فيه، وإلا لم يجز النبش أو سقط فيه متمول وإن لم يطلبه مالكه، لا للتكفين إن دفن بلا كفن، ولا للصلاة بعد إهالة التراب عليه (ولا تدفن امرأة) ماتت (في بطنها جنين حتى يتحقق موته)، أي الجنين. ويجب شق جوفها والنبش له إن رجي حياته بقول القوابل، لبلوغه ستة أشهر فأكثر، فإن لم يرج حياته حرم الشق، لكن يؤخر الدفن حتى يموت - كما ذكر - وما قيل إنه يوضع على بطنها شئ ليموت غلط فاحش (ووري) أي ستر بخرقة (سقط ودفن) وجوبا، كطفل كافر نطق بالشهادتين، ولا يجب غسلهما، بل يجوز. وخرج بالسقط العلقة والمضغة، فيدفنان ندبا من غير ستر. ولو انفصل بعد أربعة أشهر غسل، وكفن، ودفن وجوبا. (فإن اختلج) أو استهل بعد انفصاله (صلي عليه) وجوبا (وأركانها) أي الصلاة على الميت، سبعة: أحدهما: (نية) كغيرها، ومن ثم وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض، من نحو اقترانها بالتحرم، والتعرض للفرضية، وإن لم يقل فرض كفاية، ولا يجب تعيين الميت، ولا معرفته، بل الواجب أدنى مميز، فيكفي أصلي الفرض على هذا الميت. قال جمع: يجب تعيين الميت الغائب بنحو اسمه. (و) ثانيها: (قيام) لقادر عليه، فالعاجز يقعد، ثم يضطجع. (و) ثالثها: (أربع تكبيرات) مع تكبيرة التحرم - للاتباع، فإن خمس، لم تبطل صلاته. ويسن رفع يديه في التكبيرات حذو منكبيه، ووضعهما تحت صدره بين كل تكبيرتين. (و) رابعها: (فاتحة)، فبدلها، فوقوق بقدرها. والمعتمد أنها تجزئ بعد غير الاولى - خلافا للحاوي، كالمحرر - وإن لزم عليه جمع ركنين في تكبيرة وخلو الاولى عن ذكر. ويسن إسرار بغير التكبيرات، والسلام، وتعوذ، وترك افتتاح، وسورة، إلا على غائب أو قبر. (و) خامسها: (صلاة على النبي) صلي الله عليه وسلم (بعد تكبيرة ثانية) أي عقبها، فلا تجزئ في غيرها. ويندب ضم السلام للصلاة، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقبها، والحمد قبلها. (و) سادسها: (دعاء لميت) بخصوصه ولو طفلا، بنحو: اللهم اغفر له وارحمه، (بعد ثالثة)، فلا يجزئ بعد غيرها قطعا ويسن أن يكثر من الدعاء له، ومأثوره أفضل، وأولاه ما رواه مسلم عنه صلي الله عليه وسلم وهو: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وفتنته ومن عذاب النار. ويزيد عليه، ندبا: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخره. ويقول في الطفل مع هذا: اللهم اجعله فرطا لابويه، وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره. قال شيخنا: وليس قوله: اللهم اجعله فرطا - إلى آخره - مغنيا عن الدعاء له، لانه دعاء باللازم، وهو لا يكفي، لانه إذا لم يكف الدعاء له بالعموم الشامل كل فرد، فأولى هذا. ويؤنث الضمائر في الانثى، ويجوز تذكيرها بإرادة الميت أو الشخص، ويقول في ولد الزنا: اللهم اجعله فرطا لامه. والمراد بالابدال في الاهل والزوجة، إبدال الاوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذريتهم) * ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين. انتهى. (و) سابعها: (سلام) كغيرها (بعد رابعة)، ولا يجب في هذه ذكر غير السلام، لكن يسن: اللهم لا تحرمنا أجره - أي أجر الصلاة عليه، أو أجر المصيبة - ولا تفتنا بعده - أي بارتكاب المعاصي - واغفر لنا وله. ولو تخلف عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته. ولو كبر إمامه تكبيرة أخرى قبل قراءة المسبوق الفاتحة تابعه في تكبيره، وسقطت القراءة عنه. وإذا سلم الامام تدارك المسبوق ما بقي عليه مع الاذكار. ويقدم في الامامة في صلاة الميت - ولو امرأة -: أب، أو نائبه، فأبوه، ثم ابن فابنه، ثم أخ لابوين فلاب، ثم ابنهما، ثم العم كذلك، ثم سائر العصبات، ثم معتق، ثم ذو رحم، ثم زوج (وشرط لها) أي للصلاة على الميت - مع شروط سائر الصلوات - (تقدم طهره) - أي الميت - بماء فتراب، فإن وقع بحفرة أو بحر وتعذر إخراجه وطهره لم يصل عليه - على المعتمد (وأن لا يتقدم) المصلى (عليه) - أي الميت -، إن كان حاضرا، ولو في قبر، أما الميت الغائب فلا يضر فيه كونه وراء المصلي. ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، للخبر الصحيح: من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب - أي غفر له - ولا يندب تأخيرها لزيادة المصلين، إلا لولي. واختار بعض المحققين أنه إذا لم يخش تغيره، ينبغي انتظاره مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا، للحديث. وفي مسلم: ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه ولو صلي عليه فحضر من لم يصل، ندب له الصلاة عليه، وتقع فرضا، فينويه، ويثاب ثوابه. والافضل له فعلها بعد الدفن، للاتباع. ولا يندب لمن صلاها - ولو منفردا - إعادتها مع جماعة. فإن أعادها وقعت نفلا. وقال بعضهم: الاعادة خلاف الاولى (وتصح) الصلاة (على) ميت (غائب) عن بلد، بأن يكون الميت بمحل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب إليها عرفا، أخذا من قول الزركشي: إن خارج السور القريب منه كداخله. (لا) على غائب عن مجلسه (فيها) وإن كبرت. نعم، لو تعذر الحضور لها بنحو حبس أو مرض: جازت حينئذ - على الاوجه - (و) تصح على حاضر (مدفون) - ولو بعد بلائه (غير نبي) فلا تصح على قبر نبي، لخبر الشيخين. (من أهل فرضها وقت موته) فلا تصح من كافر وحائض يومئذ، كمن بلغ أو أفاق بعد الموت، ولو قبل الغسل، كما اقتضاه كلام الشيخين (وسقط الفرض) فيها (بذكر) ولو صبيا مميزا، ولو مع وجود بالغ، وإن لم يحفظ الفاتحة، ولا غيرها، بل وقف بقدرها، ولو مع وجود من يحفظها، لا بأنثى مع وجوده. وتجوز على جنائز صلاة واحدة، فينوي الصلاة عليهم إجمالا. وحرم تأخيرها عن الدفن، بل يسقط الفرض بالصلاة على القبر (وتحرم صلاة) على كافر، لحرمة الدعاء له بالمغفرة. قال تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) *. ومنهم أطفال الكفار، سواء أنطقوا بالشهادتين أم لا، فتحرم الصلاة عليهم. و (على شهيد) وهو بوزن فعيل، بمعنى مفعول، لانه مشهود له بالجنة، أو فاعل، لان روحه تشهد الجنة قبل غيره. ويطلق لفظ الشهيد على من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو شهيد الدنيا والآخرة. وعلى من قاتل لنحو حمية، فهو شهيد الدنيا. وعلى مقتول ظلما وغريق، وحريق، ومبطون - أي من قتله بطنه - كاستسقاء أو إسهال. فهم الشهداء في الآخرة فقط. (كغسله) أي الشهيد، ولو جنبا، لانه صلي الله عليه وسلم لم يغسل قتلى أحد. ويحرم إزالة دم شهيد. (وهو من مات في قتال كفار) أو كافر واحد، قبل انقضائه، وإن قتل مدبرا (بسببه) أي القتال، كأن أصابه سلاح مسلم آخر خطأ، أو قتله مسلم استعانوا به، أو تردى ببئر حال قتال، أو جهل ما مات به، وإن لم يكن به أثر دم (لا أسير قتل صبرا) فإنه ليس بشهيد على الاصح، لان قتله ليس بمقاتلة. ولا من مات بعد انقضائه، وقد بقي فيه حياة مستقرة، إن قطع بموته بعد من جرح به. أما من حركته حركة مذبوح عند انقضائه فشهيد جزما. والحياة المستقرة ما تجوز أن يبقى يوما أو يومين - على ما قاله النووي والعمراني -. ولا من وقع بين كفار فهرب منهم فقتلوه، لان ذلك ليس بقتال - كما أفتى به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى -. ولا من قتله اغتيالا حربي دخل بيننا. نعم، إن قتله عن مقاتلة كان شهيدا - كما نقله السيد السمهودي عن الخادم (وكفن) ندبا (شهيد في ثيابه) التي مات فيها، والملطخة بالدم أولى، للاتباع، ولو لم تكفه بأن لم تستر كل بدنه تممت وجوبا، (لا) في (حرير) لبسه لضرورة الحرب، فينزع وجوبا (ويندب) أن يلقن محتضر - ولو مميزا على الاوجه - الشهادة: أي لا إله إلا الله، فقط - لخبر مسلم: لقنوا موتاكم - أي من حضره الموت - لا إله إلا الله مع الخبر الصحيح: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة، أي مع الفائزين. وإلا فكل مسلم - ولو فاسقا - يدخلها، ولو بعد عذاب، وإن طال. وقول جمع: يلقن محمد رسول الله أيضا، لان القصد موته على الاسلام، ولا يسمى مسلما إلا بهما مردود بأنه مسلم، وإنما القصد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب. وبحث تلقينه الرفيق الاعلى، لانه آخر ما تكلم به رسول الله صلي الله عليه وسلم ، مردود بأن ذلك لسبب لم يوجد في غيره، وهو أن الله خيره فاختاره. وأما الكافر فيلقنهما قطعا، مع لفظ أشهد، لوجوبه أيضا - على ما سيأتي فيه - إذ لا يصير مسلما إلا بهما. وأن يقف جماعة بعد الدفن عند القبر ساعة يسألون له التثبيت ويستغفرون له، و (تلقين بالغ، ولو شهيدا) كما اقتضاه إطلاقهم - خلافا للزركشي - (بعد) تمام (دفن) فيقعد رجل قبالة وجهه ويقول: يا عبد الله ابن أمة الله: اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا. ربي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم. قال شيخنا: ويسن تكراره ثلاثا، والاولى للحاضرين الوقوف، وللملقن القعود. ونداؤه بالام فيه - أي إن عرفت، وإلا فبحواء - لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لان كليهما توقيف، لا مجال للرأي فيه. والظاهر أنه يبدل العبد بالامة في الانثى، ويؤنث الضمائر. انتهى (و) يندب (زيارة قبور لرجل) لا لانثى، فتكره لها. نعم، يسن لها زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم. قال بعضهم: وكذا سائر الانبياء، والعلماء، والاولياء. ويسن - كما نص عليه - أن يقرأ من القرآن ما تيسر على القبر، فيدعو له مستقبلا للقبلة. (وسلام) لزائر على أهل المقبرة عموما، ثم خصوصا، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين - عند أول المقبرة -. ويقول عند قبر أبيه - مثلا -: السلام عليك يا والدي. فإن أراد الاقتصار على أحدهما أتى بالثانية، لانه أخص بمقصوده، وذلك لخبر مسلم: أنه صلي الله عليه وسلم قال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. والاستثناء للتبرك، أو للدفن بتلك البقعة، أو للموت على الاسلام { فائدة } ورد أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها أمن من عذاب القبر وفتنته. وورد أيضا: من قرأ قل هو الله أحد، في مرض موته مائة مرة، لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، وجاوز الصراط على أكف الملائكة. وورد أيضا: من قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - أربعين مرة - في مرضه فمات فيه، أعطي أجر شهيد، وإن برئ برئ مغفورا له. غفر الله لنا، وأعاذنا من عذاب القبر وفتنته
باب الزكاة
هي لغة: التطهير والنماء. وشرعا: اسم لما يخرج عن مال، أو بدن، على الوجه الآتي. وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر. ووجبت في ثمانية أصناف من المال: النقدين، والانعام، والقوت، والتمر، والعنب لثمانية أصناف من الناس. ويكفر جاحد وجوبها، ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه - وإن لم يقاتل - قهرا (تجب على) كل (مسلم) ولو غير مكلف، فعلى الولي إخراجها من ماله. وخرج بالمسلم الكافر الاصلي، فلا يلزمه إخراجها، ولو بعد الاسلام (حر) معين، فلا تجب على رقيق لعدم ملكه، وكذا المكاتب لضعف ملكه، ولا تلزم سيده، لانه غير مالك في (ذهب) ولو غير مضروب، خلافا لمن زعم اختصاصها بالمضروب (بلغ) قدر خالصه (عشرين مثقالا) بوزن مكة تحديدا. فلو نقص في ميزان وتم في آخر فلا زكاة، للشك. والمثقال: اثنان وسبعون حبة شعير متوسطة. قال الشيخ زكريا: ووزن نصاب الذهب بالاشرفي: خمسة وعشرون وسبعان وتسع. وقال تلميذه - شيخنا - والمراد بالاشرفي: القايتبايي. (و) في (فضة بلغت مائتي درهم) بوزن مكة: وهو خمسون حبة وخمسا حبة. فالعشرة دراهم: سبعة مثاقيل ولا وقص فيهما كالمعشرات، فيجب في العشرين، والمائتين، وفيما زاد على ذلك، ولو ببعض حبة: (ربع عشر) للزكاة، ولا يكمل أحد النقدين بالآخر، ويكمل كل نوع من جنس بآخر منه. ويجزئ جيد، وصحيح عن ردئ ومكسر، بل هو أفضل، لا عكسهما. وخرج بالخالص المغشوش، فلا زكاة فيه حتى يبلغ خالصه نصابا. (ك‍) - ما يجب ربع عشر قيمة العرض في (مال تجارة) بلغ النصاب في آخر الحول، وإن ملكه بدون نصاب. ويضم الربح الحاصل في أثناء الحول إلى الاصل في الحول إن لم ينض، أما إذا نض بأن صار ذهبا أو فضة وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الاصل، بل يزكي الاصل بحوله، ويفرد الربح بحول ويصير عرض التجارة للقنية بنيتها، فينقطع الحول بمجرد نية القنية، لا عكسه. ولا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة - للخلاف فيه (وشرط) لوجوب الزكاة في الذهب والفضة، لا التجارة (تمام نصاب) لهما (كل الحول) بأن لا ينقص المال عنه في جزء من أجزاء الحول. أما زكاة التجارة فلا يشترط فيها تمامه، إلا آخره، لانه حالة وجوب. (وينقطع) الحول (بتخلل زوال ملك) أثناءه بمعاوضة أو غيرها. نعم، لو ملك نصابا ثم أقرضه آخر بعد ستة أشهر لم ينقطع الحول. فإن كان مليا أو عاد إليه أخرج الزكاة آخر الحول، لان الملك لم يزل بالكلية، لثبوت بدله في ذمة المقترض (وكره) أن يزيل ملكه ببيع أو مبادلة عما تجب فيه الزكاة (لحيلة) بأن يقصد به دفع وجوب الزكاة، لانه فرار من القربة. وفي الوجيز: يحرم. وزاد في الاحياء: ولا يبرئ الذمة باطنا، وأن هذا من الفقه الضار. وقال ابن الصلاح: يأثم بقصده، لا بفعله. قال شيخنا: أما لو قصده لا لحيلة، بل لحاجة، أو لها وللفرار، فلا كراهة { تنبيه } لا زكاة على صيرفي بادل ولو للتجارة في أثناء الحول بما في يده من النقد غيره من جنسه أو غيره. وكذا لا زكاة على وارث مات مورثه عن عروض التجارة حتى يتصرف فيها بنيتها، فحينئذ يستأنف حولها. (ولا زكاة في حلي مباح، ولو) اتخذه الرجل بلا قصد لبس أو غيره، أو اتخذه (لاجارة)، أو إعارة لامرأة، (إلا) إذا اتخذه (بنية كنز) فتجب الزكاة فيه { فرع } يجوز للرجل تختم بخاتم فضة، بل يسن في خنصر يمينه أو يساره، للاتباع. ولبسه في اليمين أفضل. وصوب الاذرعي ما اقتضاه كلام ابن الرفعة من وجوب نقصه عن مثقال للنهي عن اتخاذه مثقالا، وسنده حسن، لكن ضعفه النووي. فالاوجه أنه لا يضبط بمثقال بل بما لا يعد إسرافا عرفا. قال شيخنا: وعليه، فالعبرة بعرف أمثال اللابس. ولا يجوز تعدده، خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا. وتحليته آلة حرب، كسيف ورمح، وترس، ومنطقة - وهي ما يشد بها الوسط - وسكين الحرب - دون سكين المهنة - والمقلمة: بفضة، بلا سرف، لان ذلك إرهابا للكفار، لا بذهب، لزيادة الاسراف والخيلاء. والخبر المبيح له ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي. وتحليته مصحفا. قال شيخنا: أي ما فيه قرآن، ولو للتبرك، كغلافه بفضة. وللمرأة تحليته بذهب إكراما فيهما. وكتبه بالذهب حسن. ولو من رجل، لا تحلية كتاب غيره، ولو بفضة. والتمويه حرام قطعا مطلقا. ثم إن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت استدامته، وإلا فلا، وإن اتصل بالبدن، خلافا لجمع. ويحل الذهب والفضة - بلا سرف - لامرأة، وصبي - إجماعا - في نحو السوار، والخلخال، والنعل، والطوق. وعلى الاصح في المنسوج بهما. ويحل لهن التاج - وإن لم يعتدنه - وقلادة فيها دنانير معراة قطعا، وكذا مثقوبة، ولا تجب الزكاة فيها. أما مع السرف: فلا يحل شئ من ذلك، كخلخال وزن مجموع فردتيه مائتا مثقال، فتجب الزكاة فيه (و) تجب على من مر (في قوت) اختياري من حبوب (كبر)، وشعير، (وأرز)، وذرة، وحمص، ودخن، وباقلاء، ودقسة. (و) في (تمر وعنب) من ثمار (بلغ) قدر كل منهما (خمسة أوسق) وهي بالكيل: ثلثمائة صاع. والصاع: أربعة أمداد. والمد: رطل وثلث (منقى) من تبن) وقشر لا يؤكل معه غالبا. واعلم أن الارز مما يدخر في قشره ولا يؤكل معه، فتجب فيه إن بلغ عشرة أوسق (عشر) للزكاة. (إن سقي بلا مؤنة) كمطر، (وإلا) أي وإن سقي بمؤنة كنضح (فنصفه) أي نصف العشر. وسبب التفرقة: ثقل المؤنة في هذا، وخفتها في الاول، سواء أزرع ذلك قصدا، أم نبت اتفاقا - كما في المجموع - حاكيا فيه الاتفاق، وبه يعلم ضعف قول الشيخ زكريا في تحريره تبعا لاصله: يشترط لوجوبها أن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما انزرع بنفسه، أو زرعه غيره بغير أذنه. ولا يضم جنس إلى آخر لتكميل النصاب، بخلاف أنواع الجنس، فتضم. وزرعا العام يضمان إن وقع حصادهما في عام { فرع } لا تجب الزكاة في مال بيت المال، ولا في ريع موقوف من نخل أو أرض على جهة عامة - كالفقراء والفقهاء والمساجد - لعدم تعين المالك. وتجب في موقوف على معين واحد، أو جماعة معينة - كأولاد زيد -، ذكره في المجموع. وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته - كالمعين -. قال شيخنا: والاوجه خلافه، لان المقصود بذلك: الجهة: دون شخص معين { تنبيه } قال الجلال البلقيني في حاشية الروضة، تبعا للمجموع: إن غلة الارض المملوكة أو الموقوفة على معين، إن كان البذر من مال مالكها أو الموقوف عليه: فتجب عليه الزكاة فيما أخرجته الارض. فإن كان البذر من مال العامل وجوزنا المخابرة، فتجب الزكاة على العامل، ولا شئ على صاحب الارض، لان الحاصل له أجرة أرضه. وحيث كان البذر من صاحب الارض، وأعطي منه شئ للعامل، لا شئ على العامل، لانه أجرة عمله. اه‍ وتجب الزكاة لنبات الارض المستأجرة مع أجرتها على الزارع. ومؤنة الحصاد والدياس على المالك (و) تجب على من مر للزكاة (في كل خمس إبل شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان، ويجزئ الذكر، وإن كانت إبله إناثا، لا المريض إن كانت إبله صحاحا (إلى خمس وعشرين) منها. ففي عشر شاتان، وخمسة عشر ثلاث، وعشرين إلى الخمس والعشرين أربع، فإذا كملت الخمس والعشرون (فبنت مخاض) لها سنة، هي واجبها إلى ست وثلاثين. سميت بذلك لان أمها آن لها أن تصير من المخاض - أي الحوامل -. (وفي ست وثلاثين) إلى ست وأربعين (بنت لبون) لها سنتان. سميت بذلك لان لها أمها آن لها أن تضع ثانيا، وتصير ذات لبن. (و) في (ست وأربعين) إلى إحدى وستين: (حقة) لها ثلاث سنين، وسميت بذلك لانها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، أو أن يطرقها الفحل. (و) في (إحدى وستين: جذعة) لها أربع سنين. سميت بذلك لانها يجذع مقدم أسنانها، أي يسقط. (و) في (ست وسبعين: بنتا لبون. و) في (إحدى وتسعين: حقتان. و) في (مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثم) الواجب (في كل أربعين بنت لبون. و) في كل (خمسين حقة. و) يجب (في ثلاثين بقرة - إلى أربعين - تبيع) له سنة، سمي بذلك لانه يتبع أمه. (و) في (أربعين) إلى ستين: (مسنة) لها سنتان، سميت بذلك لتكامل أسنانها. (و) في (ستين: تبيعان، ثم في كل ثلاثين: تبيع. و) في كل (أربيعن: مسنة. و) يجب (في أربعين غنما) إلى مائة وإحدى وعشرين: (شاة. و) في (مائة وإحدى وعشرين) إلى مائتين وواحدة (شاتان. و) في (مائتين وواحدة) إل ثلثمائة (ثلاث) من الشياه. (و) في (أربعمائة: أربع) منها، (ثم في كل مائة: شاة) جذعة ضأن لها سنة، أو ثنية معز لها سنتان. وما بين النصابين يسمى وقصا. ولا يؤخذ خيار كحامل ومسمنة للاكل. وربى وهي حديثة العهد بالنتاج بأن يمضي لها من ولادتها نصف شهر - إلا برضا مالك (وتجب الفطرة) أي زكاة الفطر. سميت بذلك لان وجوبها به. وفرضت - كرمضان - في ثاني سني الهجرة. وقول ابن اللبان بعدم وجوبها غلط - كما في الروضة - قال وكيع: زكاة الفطر لشهر رمضان - كسجدة السهو للصلاة - تجبر نقص الصوم، كما يجبر السجود نقص الصلاة - ويؤيده ما صح أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث. (على حر) فلا تلزم على رقيق عن نفسه، بل تلزم سيده عنه، ولا عن زوجته، بل إن كانت أمة فعلى سيدها، وإلا فعليها - كما يأتي -. ولا على مكاتب لضعف ملكه، ومن ثم لم تلزمه زكاة ماله ولا نفقة أقاربه، ولاستقلاله لم تلزم سيده عنه، (بغروب) شمس (ليلة فطر) من رمضان، أي بإدراك آخر جزء منه وأول جزء من شوال. فلا تجب بما حدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وملك قن، وغنى، وإسلام. ولا تسقط بما يحدث بعده من موت، وعتق، وطلاق، ومزيل ملك. ووقت أدائها من وقت الوجوب إلى غروب شمس يوم الفطر. فيلزم الحر - المذكور - أن يؤديها قبل غروب شمسه، (عمن) أي عن كل مسلم (تلزمه نفقته) بزوجية، أو ملك، أو قرابة، حين الغروب. (ولو رجعية) أو حاملا بائنا، ولو أمة، فيلزم فطرتهما كنفقتهما. ولا تجب عن زوجة ناشزة، لسقوط نفقتها عنه، بل تجب عليها إن كانت غنية. ولا عن حرة غنية غير ناشزة تحت معسر، فلا تلزم عليه لانتفاء يساره، ولا عليها لكمال تسليمها نفسها له. ولا عن ولد صغير غني، فتجب من ماله، فإن أخرج الاب عنه من ماله جاز، ورجع إن نوى الرجوع. وفطرة ولد الزنا على أمه. ولا عن ولد كبير قادر على كسب. ولا تجب الفطرة عن قن كافر، ولاعن مرتد، إلا أن عاد للاسلام. وتلزم على الزوج فطرة خادمة الزوجة، إن كانت أمته، أو أمتها وأخدمها إياها، لا مؤجرة، ومن صحبتها، - ولو بأذنه، على المعتمد -. وعلى السيد فطرة أمته المزوجة لمعسر، وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد - لا عليه ولو غنيا. قال في البحر: ولو غاب الزوج، فللزوجة اقتراض نفقتها للضرورة، لا فطرتها، لانه المطالب، وكذا بعضه المحتاج. وتجب الفطرة على من مر، عمن ذكر (إن فضل عن قوت ممون) له تلزمه مؤنتة من نفسه وغيره (يوم عيد وليلته) وعن ملبس، ومسكن، وخادم يحتاج إليهما هو أو ممونه. (وعن دين) - على المعتمد، خلافا للمجموع - ولو مؤجلا، وإن رضي صاحبه بالتأخير. (ما يخرجه فيها) أي الفطرة (وهي) أي زكاة الفطر (صاع) وهو أربعة أمداد، والمد، رطل، وثلث - وقدره جماعة بحفنة بكفين معتدلين - عن كل واحد (من غالب قوت بلده) أي بلد المؤدى عنه. فلا تجزئ من غير غالب قوته، أو قوت مؤد، أو بلده، لتشوف النفوس لذلك. ومن ثم وجب صرفها لفقراء بلده مؤدى عنه. فإن لم يعرف - كأبق - ففيه آراء: منها: إخراجها حالا. ومنها: أنها لا تجب إلا إذا عاد. وفي قول: لا شئ { فرع } لا تجزئ قيمة ولا معيب ومسوس ومبلول - أي إلا إن جف وعاد لصلاحية الادخار والاقتيات -، ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول إلا أن فقدوا غيره، فيجوز. (وحرم تأخيرها عن يومه) أي العبد - بلا عذر، كغيبة مال أو مستحق. ويجب القضاء - فورا - لعصيانه. ويجوز تعجيلها من أول رمضان، ويسن أن لا تؤخر عن الصلاة العيد، بل يكره ذلك. نعم، يسن تأخيرها لانتظار نحو قريب أو جار ما لم تغرب الشمس
{ فصل في أداء الزكاة }
(يجب أداءها) أي الزكاة، وإن كان عليه دين مستغرق حال لله أو لآدمي، فلا يمنع الدين وجوب الزكاة - في الاظهر - (فورا) ولو في مال صبي ومجنون، حاجة المستحقين إليها (بتمكن) من الاداء. فإن أخر أثم، وضمن، إن تلف بعده. نعم، إن أخر لانتظار قريب، أو جار، أو أحوج، أو أصلح، لم يأثم، لكنه يضمنه إن تلف، كمن أتلفه، أو قصر في دفع متلف عنه، كأن وضعه في غير حرزه بعد الحول، وقبل التمكن. ويحصل التمكن (بحضور مال) غائب سائر أو قار بمحل عسر الوصول إليه، فإن لم يحضر لم يلزمه الاداء من محل آخر، وإن جوزنا نقل الزكاة (و) حضور (مستحقيها) أي الزكاة، أو بعضهم، فهو متمكن بالنسبة لحصته، حتى لو تلفت ضمنها. ومع فراغ من مهم ديني أو دنيوي - كأكل، وحمام - (وحلول دين) من نقد، أو عرض تجارة (مع قدرة) على استيفائه، بأن كان على ملئ حاضر باذل، أو جاحد عليه بينة، أو يعلمه القاضي، أو قدر هو على خلاصه، فيجب إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لانه قادر على قبضه. أما إذا تعذر استيفاؤه بإعسار، أو مطل، أو غيبة، أو جحود ولا بينة، فكمغصوب فلا يلزمه الاخراج إلا إن قبضه. وتجب الزكاة في مغصوب وضال، لكن لا يجب دفعها إلا بعد تمكن بعوده إليه (ولو أصدقها نصاب نقد) وإن كان في الذمة، أو سائمة معينة (زكته) وجوبا، إذا تم حول من الاصداق، وإن لم تقبضه ولا وطئها. لكن يشترط - إن كان النقد في الذمة - إمكان قبضه، بكونه موسرا حاضرا { تنبيه } الاظهر أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة. وفي قول قديم - اختاره الريمي -: لانها تتعلق بالذمة، لا بالعين. فعلى الاول أن المستحق للزكاة شريك بقدر الواجب، وذلك لانه لو امتنع من إخراجها أخذها الامام منه قهرا. كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته. ولم يفرقوا في الشركة بين العين والدين، فلا يجوز لربه أن يدعي ملك جميعه، بل إنه يستحق قبضه. ولو قال: بعد حول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فأبرأته منه لم تطلق، لانه لم يبرأ من جميعه، بل مما عدا قدر الزكاة، فطريقها أن يعطيها ثم تبرئه. ويبطل البيع، والرهن في قدر الزكاة فقط، فإن فعل أحدهما بالنصاب، أو ببعضه بعد الحول صح لا في قدر الزكاة - كسائر الاموال المشتركة على الاظهر -. نعم، يصح في قدرها في مال التجارة، لا الهبة في قدرها فيه. { فرع } تقدم الزكاة ونحوها من تركة مديون ضاقت عن وفاء ما عليه من حقوقه الآدمي وحقوق الله - كالكفارة، والحج والنذر والزكاة -. كما إذا اجتمعتا على حي لم يحجر عليه. ولو اجمتعت فيها حقوق الله فقط قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين، بأن بقي النصاب، وإلا بأن تلف بعد الوجوب والتمكن استوت مع غيرها، فيوزع عليها (وشرط له) أي أداء الزكاة، شرطان. أحدهما: (نية) بقلب، لا نطق (كهذا زكاة) مالي. ولو بدون فرض، إذ لا تكون إلا فرضا (أو صدقة مفروضة). أو هذا زكاة مالي المفروضة. ولا يكفي: هذا فرض مالي، لصدقه بالكفارة والنذر. ولا يجب تعيين المال المخرج عنه في النية. ولو عين لم يقع عن غيره، وإن بان المعين تالفا، لانه لم ينو ذلك الغير. ومن ثم لو نوى إن كان تالفا فعن غيره فبان تالفا وقع عن غيره. بخلاف ما لو قال: هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا، أو صدقة، لعدم الجزم بقصد الفرض. وإذا قال فإن كان تالفا فصدقة. فبان تالفا، وقع صدقة، أو باقيا، وقع زكاة. ولو كان عليه زكاة وشك في إخراجها، فأخرج شيئا ونوى: إن كان علي شئ من الزكاة فهذا عنه، وإلا فتطوع. فإن بان عليه زكاة أجزأه عنها، وإلا وقع له تطوعا - كما أفتى به شيخنا -. ولا يجزئ عن الزكاة قطعا، إعطاء المال للمستحقين بلا نية. (لا مقارنتها) أي النية (للدفع) فلا يشترط ذلك، (بل تكفي) النية قبل الاداء إن وجدت (عند عزل) قدر الزكاة عن المال (أو إعطاء وكيل) أو إمام، والافضل لهما أن ينويا أيضا عند التفرقة، (أو) وجدت (بعد أحدهما) أي بعد عزل قدر الزكاة أو التوكيل (وقبل التفرقة) لعسر اقترانها بأداء كل مستحق. ولو قال لغيره: تصدق بهذا. ثم نوى الزكاة قبل تصدقه بذلك، أجزأه عن الزكاة. ولو قال لآخر: اقبض ديني من فلان، وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها وأفتى بعضهم أن التوكيل المطلق في إخراجها يستلزم التوكيل في نيتها. قال شيخنا: وفيه نظر، بل المتجه أنه لا بد من نية المالك، أو تفويضها للوكيل. وقال المتولي وغيره: يتعين نية الوكيل إذا وقع الفرض بماله، بأن قال له موكله أد زكاتي من مالك، لينصرف فعله عنه. وقوله له ذلك متضمن للاذن له في النية. وقال القفال: لو قال لغيره أقرضني خمسة أؤدها عن زكاتي، ففعل، صح. قال شيخنا: وهو مبني على رأيه بجواز اتحاد القابض والمقبض (وجاز لكل) من الشريكين (إخراج زكاة) المال (المشترك بغير إذن) الشريك (الآخر) كما قاله الجرجاني، وأقره غيره، لاذن الشرع فيه. وتكفي نية الدافع منهما عن نية الآخر - على الاوجه. (و) جاز (توكيل كافر، وصبي في إعطائها المعين) أي إن عين المدفوع إليه، لا مطلقا، ولا تفويض النية إليهما لعدم الاهلية. وجاز توكيل غيرهما في الاعطاء والنية معا. وتجب نية الولي في مال الصبي والمجنون، فإن صرف الولي الزكاة بلا نية ضمنها، لتقصيره. ولو دفعها المزكي للامام بلا نية ولا إذن منه له فيها لم تجزئه نيته. نعم، تجزئ نية الامام عند أخذها قهرا من الممتنع، وإن لم ينو صاحب المال. (و) جاز للمالك - دون الولي - (تعجيلها) أي الزكاة (قبل) تمام (حول)، لا قبل تمام نصاب في غير التجارة، و (لا) تعجيلها (لعامين) في الاصح. وله تعجيل الفطرة من أول رمضان. أما في مال التجارة فيجزئ التعجيل، وإن لم يملك نصابا. وينوي عند التعجيل: كهذه زكاتي المعجلة. (وحرم) تأخيرها - أي الزكاة - (بعد تمام الحول والتملك) وضمن إن تلف بعد تمكن، بحضور المال والمستحق، أو أتلفه بعد حول ولو قبل التمكن. كما مر بيانه (و) ثانيهما: (إعطاؤها لمستحقيها) أي الزكاة. يعني من وجد من الاصناف الثمانية المذكورة في آية: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله، وابن السبيل) والفقير: من ليس له مال ولا كسب لائق، يقع موقعا من كفايته وكفاية ممونه، ولا يمنع الفقر، مسكنه وثيابه - ولو للتجمل في بعض أيام السنة - وكتب يحتاجها، وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة، وماله الغائب بمرحلتين، أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه والدين المؤجل والكسب الذي لا يليق به. وأفتى بعضهم أن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها. وصوبه شيخنا والمسكين: من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من حاجته ولا يكفيه كمن يحتاج لعشرة وعنده ثمانية ولا يكفيه الكفاية السابقة، وإن ملك أكثر من نصاب، حتى أن للامام، أن يأخذ زكاته ويدفعها إليه فيعطى كل منهما - إن تعود تجارة - رأس مال يكفيه ربحه غالبا، أو حرفة آلتها. ومن لم يحسن حرفة ولا تجارة يعطى كفاية العمر الغالب. وصدق مدعي فقر، ومسكنة، وعجز عن كسب - ولو قويا جلدا - بلا يمين، لا مدعي تلف مال عرف بلا بينة والعامل - كساع -: وهو من يبعثه الامام لاخذ الزكاة، وقاسم وحاشر، لا قاض والمؤلفة: من أسلم ونيته ضعيفة، أو له شرف يتوقع بإعطائه إسلام غيره. والرقاب: المكاتبون كتابة صحيحة، فيعطى المكاتب - أو سيده - بإذنه دينه إن عجز عن الوفاء، وإن كان كسوبا، لا من زكاة سيده لبقائه على ملكه والغارم: من استدان لنفسه لغير معصية، فيعطي له إن عجز عن وفاء الدين، وإن كان كسوبا، إذ الكسب لا يدفع حاجته لوفائه إن حل الدين. ثم إن لم يكن معه شئ أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن، ترك له مما معه ما يكفيه - أي العمر الغالب -. كما استظهره شيخنا. وأعطي ما يقضي به باقي دينه، أو لاصلاح ذات البين، فيعطى ما استدانه لذلك ولو غنيا. أما إذا لم يستدن بل أعطي ذلك من ماله، فإنه لا يعطاه. ويعطى المستدين لمصلحة عامة كقري ضيف، وفك أسير، وعمارة نحو مسجد، وإن غنيا. أو للضمان. فإن كان الضامن والاصيل معسرين أعطي الضامن وفاءه. أو الاصيل موسرا دون الضامن، أعطي إن ضمن بلا إذن، أو عكسه أعطي الاصيل، لا الضامن، وإذا وفى من سهم الغارم لم يرجع على الاصيل وإن ضمن بإذنه. ولا يصرف من الزكاة شئ لكفن ميت، أو بناء مسجد. ويصدق مدعي كتابة أو غرم بإخبار عدل وتصديق سيد، أو رب دين، أو اشتهار حال بين الناس { فرع } من دفع زكاته لمدينه بشرط أن يردها له عن دينه، لم يجز، ولا يصح قضاء الدين بها. فإن نويا ذلك بلا شرط، جاز وصح، وكذا إن وعده المدين بلا شرط، فلا يلزمه الوفاء بالوعد. ولو قال لغريمه: جعلت ما عليك زكاة، لم يجزئ - على الاوجه - إلا إن قبضه ثم رده إليه. ولو قال: اكتل من طعامي عندك كذا. ونوى به الزكاة، ففعل - فهل يجزئ ؟ وجهان، وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الاجزاء وسبيل الله: وهو القائم بالجهاد متطوعا، ولو غنيا. ويعطى المجاهد النفقة والكسوة له ولعياله ذهابا وإيابا، وثمن آلة الحرب وابن السبيل: وهو مسافر مجتاز ببلد الزكاة، أو منشئ سفر مباح منها، ولو لنزهة، أو كان كسوبا بخلاف المسافر لمعصية إلا إن تاب، والمسافر لغير مقصد صحيح - كالهائم - ويعطى كفايته، وكفاية من معه من ممونه - أي جميعها - نفقة، وكسوة، ذهابا، وإيابا، إن لم يكن له بطريقه - أو مقصده - مال، ويصدق في دعوى السفر، وكذا في دعوى الغزو، بلا يمين. ويسترد منه ما أخذه إن لم يخرج. ولا يعطى أحد بوصفين. نعم إن أخذ فقير بالغرم فأعطاه غريمه، أعطي بالفقر، لانه الآن محتاج { تنبيه } ولو فرق المالك الزكاة سقط سهم العامل، ثم إن انحصر المستحقون، ووفى بهم المال، لزم تعميمهم، وإلا لم يجب، ولم يندب. لكن يلزمه إعطاء ثلاثة من كل صنف، وإن لم يكونوا بالبلد وقت الوجوب، ومن المتوطنين أولى. ولو أعطى اثنين من كل صنف، والثالث موجود، لزمه أقل متمول غرما له من ماله، ولو فقد بعض الثلاثة رد حصته على باقي صنفه، إن احتاجه، وإلا فعلى باقي الاصناف. ويلزم التسوية بين الاصناف، وإن كانت حاجة بعضهم أشد، لا التسوية بين آحاد الصنف، بل تندب. واختار جماعة - من أئمتنا - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين، أو غيرهم من المستحقين، ولو كان كل صنف - أو بعض الاصناف - وقت الوجوب محصورا في ثلاثة فأقل، استحقوها في الاولى. وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب، فلا يضر حدوث غنى أو موت أحدهم، بل حقه باق بحاله، فيدفع نصيب الميت لوارثه، وإن كان هو المزكي. ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب. فإن زادوا على ثلاثة، لم يملكوا إلا بالقسمة ولا يجوز لمالك نقل الزكاة عن بلد المال، ولو إلى مسافة قريبة، ولا تجزئ، ولا دفع القيمة في غير مال التجارة، ولا دفع عينه فيه. ونقل عن عمر وابن عباس وحذيفة - رضي الله عنهم - جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد، وبه قال أبو حنيفة، ويجوز عنده نقل الزكاة - مع الكراهة - ودفع قيمتها. وعين مال التجارة (ولو أعطاها) أي الزكاة - ولو الفطرة - (لكافر، أو من به رق) ولو مبعضا غير مكاتب (أو هاشمي، أو مطلبي)، أو مولى لهما، لم يقع عن الزكاة، لان شرط الآخذ الاسلام، وتمام الحرية، وعدم كونه هاشميا، ولا مطلبيا، وإن انقطع عنهم خمس الخمس لخبر: إن هذه الصدقات - أي الزكوات - إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآله. قال شيخنا: وكالزكاة: كل واجب - كالنذر، والكفارة بخلاف التطوع والهدية. (أو غني) وهو من له كفاية العمر الغالب - على الاصح -. وقيل: من له كفاية سنة. أو الكسب الحلال اللائق (أو مكفي بنفقة قريب) من أصل، أو فرع، أو زوج، بخلاف المكفي بنفقة متبرع (لم يجزئ) ذلك عن الزكاة، ولا تتأدى بذلك إن كان الدافع المالك وإن ظن استحقاقهم. ثم إن كان الدافع يظن الاستحقاق الامام: برئ المالك، ولا يضمن الامام، بل يسترد المدفوع، وما استرده صرفه للمستحقين. أما من لم يكتف بالنفقة الواجبة له - من زوج، أو قريب - فيعطيه المنفق وغيره، حتى بالفقر. ويجوز للمكفي بها الاخذ بغير المسكنة والفقر إن وجد فيه، حتى ممن تلزمه نفقته. ويندب للزوجة إعطاء زوجها من زكاتها، حتى بالفقر والمسكنة وإن أنفقها عليها. قال شيخنا: والذي يظهر أن قريبه الموسر لو امتنع من الانفاق عليه وعجز عنه بالحاكم، أعطي حينئذ، لتحقق فقره أو مسكنته الآن { فائدة } أفتى النووي في بالغ تاركا للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه - أي كصبي ومجنون - فلا تعطى له، وإن غاب وليه، خلافا لمن زعمه: بخلاف ما لو طرأ تركه لها أو تبذيره ولم يحجر عليه: فإنه يقبضها. ويجوز دفعها لفاسق - إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ { تتمة } في قسمة الغنيمة. ما أخذناه من أهل حرب قهرا: فهو غنيمة، وإلا فهو فئ، ومن الاول: ما أخذناه من دارهم اختلاسا، أو سرقة - على الاصح - خلافا للغزالي وإمامه: حيث قالا إنه مختص بالآخذ بلا تخميس، وادعى ابن الرفعة الاجماع عليه، ومن الثاني: جزية وعشر تجارة وتركة مرتد، ويبدأ في الغنيمة بالسلب للقاتل المسلم بلا تخميس، وهو ملبوس القتيل، وسلاحه، ومركوبه، وكذا سوار، ومنطقة، وخاتم، وطوق. وبالمؤن: كأجرة حمال. ثم يخمس باقيها، فأربعة أخماسها، ولو عقارا، لمن حضر الوقعة، وإن لم يقاتل، فما أحد أولى به من أحد - لا لمن لحقهم بعد انقضائها، ولو قبل جمع المال، ولا لمن مات في أثناء القتال قبل الحيازة على المذهب. وأربعة أخماس الفئ للمرصدين للجهاد وخمسهما يخمس: سهم للمصالح: كسد ثغر، وعمارة حصن، ومسجد، وأرزاق القضاة، والمشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها - ولو مبتدئين - وحفاظ القرآن، والائمة، والمؤذنين. ويعطى هؤلاء مع الغنى ما رآه الامام. ويجب تقديم الاهم - مما ذكر - وأهمها: الاول. ولو منع هؤلاء حقوقهم من بيت المال وأعطي أحدهم منه شيئا: جاز له الاخذ، ما لم يزد على كفايته - على المعتمد - وسهم للهاشمي والمطلبي: للذكر منهما مثل حظ الانثيين، ولو أغنياء. وسهم للفقراء، اليتامى، وسهم للمسكين، وسهم لابن السبيل الفقير. ويجب تعميم الاصناف الاربعة بالعطاء - حاضرهم، وغائبهم عن المحل - نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى، لا بين الاصناف، ولو قل الحاصل، بحيث لو عم لم يسد مسدا: خص به الاحوج، ولا يعم - للضرورة. ولو فقد بعضهم: وزع سهمه على الباقين. ويجوز - عند الائمة الثلاثة - صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح. ولا يصح شرط الامام: من أخذ شيئا فهو له. وفي قول: يصح. وعليه الائمة الثلاثة. وعند أبي حنيفة ومالك: يجوز للامام أن يفضل بعضا. { فرع } لو حصل لاحد من الغانمين شئ مما غنموا قبل التخميس والقسمة الشرعية: لا يجوز التصرف فيه، لانه مشترك بينهم وبين أهل الخمس. والشريك لا يجوز له التصرف في المشترك بغير إذن شريكه (ويسن صدقة تطوع) لآية: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * وللاحاديث الكثيرة الشهيرة. وقد تجب: كأن يجد مضطرا ومعه ما يطعمه، فاضلا عنه، ويكره بردئ، وليس منه: التصدق بالفلوس، والثوب الخلق، ونحوهما - بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل. والتصدق بالماء أفضل: حيث كثر الاحتياج إليه - وإلا فالطعام. ولو تعارض الصدقة حالا، والوقف. فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة: فالاول أولى، وإلا فالثاني لكثرة جدواه. قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي، وأطلق ابن الرفعة ترجيح الاول، لانه قطع حظه من المتصدق به حالا وينبغي - للراغب في الخير - أن لا يخلي (كل يوم) من الايام من الصدقة (بما تيسر) وإن قل، وإعطاؤها (سرا) أفضل منه جهرا. أما الزكاة: فإظهارها أفضل - إجماعا - (و) إعطاؤها (برمضان): أي فيه - لا سيما في عشره الاواخر - أفضل، ويتأكد أيضا: في سائر الازمنة، والامكنة، الفاضلة: كعشر ذي الحجة، والعيدين، والجمعة. وكمكة، والمدينة (و) إعطاؤها (لقريب) لا تلزمه نفقته أولى، الاقرب فالاقرب من المحارم، ثم الزوج أو الزوجة، ثم غير المحرم والرحم من جهة الاب ومن جهة الام سواء، ثم محرم الرضاع، ثم المصاهرة أفضل. (و) صرفها بعد القريب إلى (جار، أفضل) منه لغيره. فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد: أفضل من الجار الاجنبي، (لا) يسن التصدق (بما يحتاجه)، بل يحرم بما يحتاج إليه: لنفقة، ومؤنة. من تلزمه نفقته يومه وليلته، أو لوفاء دينه - ولو مؤجلا، وإن لم يطلب منه - ما لم يغلب على ظنه حصوله من جهة أخرى ظاهرة لان الواجب لا يجوز تركه لسنة، وحيث حرمت الصدقة بشئ لم يملكه المتصدق عليه - على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى. لكن الذي جزم به شيخنا في شرح المنهاج أنه يملكه. والمن بالصدقة حرام محبط للاجر كالاذى. { فائدة } قال في المجموع: يكره الاخذ ممن بيده حلال وحرام - كالسلطان الجائز. وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام. وقول الغزالي: يحرم الاخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته: شاذ.
باب الصوم
وهو لغة: الامساك. وشرعا: إمساك عن مفطر بشروطه الآتية. وفرض في شعبان، في السنة الثانية من الهجرة. وهو من خصائصنا، ومن المعلوم من الدين بالضرورة (يجب صوم) شهر (رمضان) إجماعا، بكمال شعبان ثلاثين يوما، أو رؤية عدل واحد، ولو مستورا هلاله بعد الغروب، إذا شهد بها عند القاضي، ولو مع إطباق غيم، بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال، أو أنه هل. ولا يكفي: قوله: أشهد أن غدا من رمضان. ولا يقبل على شهادته إلا بشهادة عدلين، وبثبوت رؤية هلال رمضان عند القاضي بشهادة عدل بين يديه - كما مر - ومع قوله ثبت عندي: يجب الصوم على جميع أهل البلد المرئي فيه، وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر برؤيته، ولو من كفار، لافادته العلم الضروري، وظن دخوله بالامارة الظاهرة التي لا تتخلف عادة: - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ويلزم الفاسق والعبد والانثى: العمل برؤية نفسه، وكذا من اعتقد صدق نحو فاسق ومراهق في أخباره برؤية نفسه، أو ثبوتها في بلد متحد مطلعه: - سواء أول رمضان وآخره على الاصح - والمعتمد: أن له - بل عليه - اعتماد العلامات بدخول شوال، إذا حصل له اعتقاد جازم بصدقها - كما أفتى به شيخانا: ابن زياد وحجر، كجمع محققين - وإذا صاموا - ولو برؤية عدل - أفطروا بعد ثلاثين، وإن لم يروا الهلال ولم يكن غيم، لكمال العدة بحجة شرعية. ولو صام بقول من يثق، ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين مع الصحو: لم يجز له الفطر، ولو رجع الشاهد بعد شروعهم في الصوم: لم يجز لهم الفطر. وإذا ثبت رؤيته ببلد لزم حكمه البلد القريب - دون البعيد - ويثبت البعد باختلاف المطالع - على الاصح - والمراد باختلافها: أن يتباعد المحلان - بحيث لو رؤي في أحدهما: لم ير في الآخر غالبا، قاله في الانوار. وقال التاج التبريزي - وأقره غيره -: لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا. ونبه السبكي - وتبعه غيره -: على أنه يلزم من الرؤية في البلد الغربي من غير عكس، إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل. وقضية كلامهم أنه متى رؤي في شرقي: لزم كل غربي - بالنسبة إليه - العمل بتلك الرؤية، وإن اختلفت المطالع. وإنما يجب صوم رمضان (على) كل مكلف - أي بالغ - عاقل، (مطيق له) أي للصوم حسا، وشرعا، فلا يجب على صبي، ومجنون، ولا على من لا يطيقه - لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، ويلزمه مد لكل يوم: ولا على حائض، ونفساء، لانهما لا تطيقان شرعا (وفرضه) أي الصوم (نية) بالقلب، ولا يشترط التلفظ بها، بل يندب، ولا يجزئ عنها التسحر - وإن قصد به التقوي على الصوم - ولا الامتناع من تناول مفطر، خوف الفجر، ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات التي يجب التعرض له في النية (لكل يوم): فلو نوى أول ليلة رمضان صوم جميعه: لم يكف لغير اليوم الاول. قال شيخنا: لكن ينبغي ذلك، ليحصل له صوم اليوم الذي نسي النية فيه عند مالك، كما تسن له أول اليوم الذي نسيها فيه، ليحصل له صومه عند أبي حنيفة. وواضح أن محله: إن قلد، وإلا كان متلبسا بعبادة فاسدة في اعتقاده (وشرط لفرضه) أي الصوم - ولو نذرا، أو كفارة، أو صوم استسقاء أمر به الامام - (تبييت) أي إيقاع النية ليلا: أي فيما غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم المميز. قال شيخنا: ولو شك - هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده ؟ لم تصح، لان الاصل عدم وقوعها ليلا، إذ الاصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن - بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا ؟ لان الاصل عدم طلوعه، للاصل المذكور أيضا. انتهى. ولا يبطلها نحو أكل وجماع بعدها وقبل الفجر. نعم، لو قطعها قبله، احتاج لتجديدها قطعا. (وتعيين) لمنوي في الفرض كرمضان، أو نذر أو كفارة - بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان، أو النذر، أو الكفارة - وإن لم يعين سببها. فلو نوى الصوم عن فرضه، أو فرض وقته: لم يكف. نعم، من عليه قضاء رمضانين، أو نذر، أو كفار من جهات مختلفة: لم يشترط التعيين لاتحاد الجنس. واحترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل، فتصح فيه - ولو مؤقتا - النية قبل الزوال: للخبر الصحيح، وبالتعيين فيه النفل أيضا، فيصح - ولو مؤقتا - بنية مطلقة - كما اعتمده غير واحد. نعم، بحث في المجموع اشتراط التعيين في الرواتب كعرفة وما معها فلا يحصل غيرها معها، وإن نوى، بل مقتضى القياس - كما قال الاسنوي - أن نيتهما مبطلة، كما لو نوى الظهر وسنته، أو سنة الظهر وسنة العصر - فأقل النية المجزئة: نويت صوم رمضان، ولو بدون الفرض على المعتمد - كما صححه في المجموع، تبعا للاكثرين، لان صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا. ومقتضى كلام الروضة والمنهاج وجوبه، أو بلا غد - كما قال الشيخان - لان لفظ الغد، اشتهر في كلامهم في تفسير التعيين وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين، فلا يجب التعرض له بخصوصه، بل يكفي دخوله في صوم الشهر المنوي لحصول التعيين حينئذ، لكن قضية كلام شيخنا - كالمزجد -: وجوبه (وأكملها) أي النية: (نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان) بالجر لاضافته لما بعده (هذه السنة لله تعالى) لصحة النية حينئذ اتفاقا، وبحث الاذرعي أنه لو كان عليه مثل الاداء كقضاء رمضان قبله: لزمه التعرض للاداء، أو تعيين السنة (ويفطر عامد) لاناس للصوم، وإن كثر منه نحو جماع وأكل (عالم) لا جاهل، بأن ما تعاطاه مفطر لقرب إسلامه، أو نشئه ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك (مختار)، لا مكره لم يحصل منه قصد، ولا فكر، ولا تلذذ (بجماع) وإن لم ينزل (واستمناء) ولو بيده أو بيد حليلته، أو بلمس لما ينقض لمسه بلا حائل (لا ب‍) - قبلة و (ضم) لامرأة (بحائل): أي معه، وإن تكرر بشهوة، أو كان الحائل رقيقا، فلو ضم امرأة أو قبلها بلا ملامسة بدن بلا بحائل بينهما فأنزل: لم يفطر، لانتفاء المباشرة - كالاحتلام. والانزال بنظر وفكر، ولو لمس محرما أو شعر امرأة فأنزل: لم يفطر - لعدم النقض به. ولا يفطر بخروج مذي: خلافا للمالكية (واستقاءة) أي استدعاء قئ وإن لم يعد منه شئ لجوفه: بأن تقيأ منكسا أو عاد بغير اختياره، فهو مفطر لعينه، أما إذا غلبه ولم يعد منه - أو من ريقه المتنجس به - شئ إلى جوفه بعد وصوله لحد الظاهر، أو عاد بغير اختياره: فلا يفطر به - للخبر الصحيح بذلك (لا بقلع نخامة) من الباطن أو الدماغ إلى الظاهر، فلا يفطر به إن لقطها لتكرر الحاجة إليه، أما لو ابتلعها مع القدرة على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر - وهو مخرج الحاء المهملة - فيفطر قطعا. ولو دخلت ذبابة جوفه: أفطر بإخراجها مطلقا، وجاز له - إن ضره - بقاوها مع القضاء: كما أفتى به شيخنا (و) يفطر (بدخول عين) وإن قلت إلى ما يسمى (جوفا): أي جوف من مر: كباطن أذن، وإحليل، - وهو مخرج بول - ولبن - وإن لم يجاوز الحشفة أو الحلمة ووصول أصبع المستنجية إلى وراء ما يظهر من فرجها عند جلوسها على قدميها: مفطر، وكذا وصول بعض الانملة إلى المسربة، كذا أطلقه القاضي، وقيده السبكي بما إذا وصل شئ منها إلى المحل المجوف منها، بخلاف أولها المنطبق فإنه لا يسمى جوفا، وألحق به أول الاحليل الذي يظهر عند تحريكه، بل أولى. قال ولده: وقول القاضي: الاحتياط أن يتغوط بالليل: مراده أن إيقاعه فيه خير منه في النهار، لئلا يصل شئ إلى جوف مسربته، لا أنه يؤمر بتأخيره إلى الليل، لان أحدا لا يؤمر بمضرة في بدنه، ولو خرجت مقعدة مبسور: لم يفطر بعودها، وكذا إن أعادها بأصبعه، لاضطراره إليه. ومنه يؤخذ - كما قال شيخنا - أنه لو اضطر لدخول الاصبع إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر وصول الاصبع إليه. وخرج بالعين: الاثر - كوصول الطعم بالذوق إلى حلقه -. وخرج بمن مر - أي العامد العالم المختار - الناسي للصوم، والجاهل المعذور بتحريم إيصال شئ إلى الباطن، وبكونه مفطرا والمكره، فلا يفطر كل منهم بدخول عين جوفه، وإن كثر أكله، ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر فأكل جاهلا بوجوب الامساك: أفطر. ولو تعمد فتح فمه في الماء فدخل جوفه أو وضعه فيه فسبقه أفطر. أو وضع في فيه شيئا عمدا وابتلعه ناسيا، فلا. ولا يفطر بوصول شئ إلى باطن قصبة أنف حتى يجاوز منتهى الخيشوم، وهو أقصى الانف و (لا) يفطر (بريق طاهر صرف) أي خالص ابتلعه (من معدنه) وهو جميع الفم، ولو بعد جمعه على الاصح، وإن كان بنحو مصطكى. أما لو ابتلع ريقا اجتمع بلا فعل، فلا يضر قطعا. وخرج بالطاهر: المتنجس بنحو دم لثته فيفطر بابتلاعه، وإن صفا، ولم يبق فيه أثر مطلقا، لانه لما حرم ابتلاعه لتنجسه صار بمنزلة عين أجنبية. قال شيخنا: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه. وقال بعضهم: متى ابتلعه المبتلى به مع علمه به وليس له عنده بد، فصومه صحيح، وبالصرف المختلط بطاهر آخر، فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل، وإن تعسر إزالتها، أو بصبغ خيط فتله بفمه، وبمن معدنه ما إذا خرج من الفم لا على لسانه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده بلسانه وابتلعه، أو بل خيطا أو سواكا بريقه أو بماء فرده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل وابتلعها: فيفطر. بخلاف ما لو لم يكن على الخيط ما ينفصل لقلته أو لعصره أو لجفافه، فإنه لا يضر، كأثر ماء المضمضة، وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه، فلا يكلف تنشيف الفم عنه { فرع } لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه بطبعه لا بقصده: لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه، وإن ترك التخلل ليلا مع علمه ببقائه وبجريان ريقه به نهارا، لانه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما حال الصوم، لكن يتأكد التخلل بعد التسحر، أما إذا لم يعجز أو ابتلعه قصدا: فإنه مفطر جزما، وقول بعضهم يجب غسل الفم مما أكل ليلا وإلا أفطر: رده شيخنا (ولا يفطر بسبق ماء جوف مغتسل عن) نحو (جنابة) كحيض، ونفاس إذا كان الاغتسال (بلا انغماس) في الماء، فلو غسل أذنيه في الجنابة فسبق الماء من إحداهما لجوفه: لم يفطر، وإن أمكنه إمالة رأسه أو الغسل قبل الفجر. كما إذا سبق الماء إلى الداخل للمبالغة في غسل الفم المتنجس لوجوبها: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الاذن أو الانف، فإنه يفطر، ولو في الغسل الواجب، لكراهة الانغماس: كسبق ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم، وعلمه بعدم مشروعيتها، بخلافه بلا مبالغة. وخرج بقولي عن نحو جنابة: الغسل المسنون، وغسل التبرد، فيفطر بسبق ماء فيه، ولو بلا انغماس. { فروع } يجوز للصائم، الافطار بخبر عدل بالغروب، وكذا بسماع أذانه، ويحرم للشاك الاكل آخر النهار حتى يجتهد ويظن انقضاءه، ومع ذلك الاحوط: الصبر لليقين. ويجوز الاكل إذا ظن بقاء الليل، باجتهاد أو إخبار، وكذا لو شك، لان الاصل بقاء الليل، لكن يكره، ولو أخبره عدل طلوع الفجر: اعتمده، وكذا فاسق ظن صدقه. ولو أكل باجتهاد أولا وآخرا فبان أنه أكل نهارا، بطل صومه، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، فإن لم يبن شئ: صح. ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه قبل أن ينزل منه شئ لجوفه: صح صومه، وكذا لو كان مجامعا عند ابتداء طلوع الفجر فنزع في الحال - أي عقب طلوعه - فلا يفطر وإن أنزل، لان النزع ترك للجماع. فإن لم ينزع حالا: لم ينعقد الصوم، وعليه القضاء والكفارة (ويباح فطر) في صوم واجب (بمرض مضر) ضررا يبيح التيمم، كأن خشي من الصوم بطء برء، (وفي سفر قصر) دون قصير وسفر معصية. وصوم المسافر بلا ضرر. أحب من الفطر (ولخوف هلاك) بالصوم من عطش أو جوع وإن كان صحيحا مقيما. وأفتى الاذرعي بأنه يلزم الحصادين - أي ونحوهم - تبييت النية كل ليلة، ثم من لحقه منهم مشقة شديدة - أفطر، وإلا فلا. (ويجب قضاء) ما فات ولو بعذر من الصوم الواجب، ك‍( رمضان) ونذر وكفارة بمرض أو سفر، أو ترك نية أو بحيض أو نفاس، لا بجنون وسكر لم يتعد به. وفي المجموع أن قضاء يوم الشك على الفور، لوجوب إمساكه. ونظر فيه جمع بأن تارك النية يلزمه الامساك مع أن قضاءه على التراخي قطعا (و) يجب (إمساك) عن مفطر (فيه) أي رمضان فقط، دون نحو نذر وقضاء، (إن أفطر بغير عذر) من مرض أو سفر، (أو بغلط) كمن أكل ظانا بقاء الليل، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك وبان من رمضان، لحرمة الوقت. وليس الممسك في صوم شرعي، لكنه يثاب عليه، فيأثم بجماع، ولا كفارة. وندب إمساك لمريض شفي، ومسافر قدم أثناء النهار مفطرا، وحائض طهرت أثناءه (و) يجب (على من أفسده) أي صوم رمضان (بجماع) أثم به لاجل الصوم، لا باستمناء وأكل: (كفارة) متكررة بتكرر الافساد، وإن لم يكفر عن السابق (معه) أي مع قضاء ذلك الصوم. والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فصوم شهرين مع التتابع إن عجز عنه، فإطعام ستين مسكينا أو فقيرا إن عجز عن الصوم - لهرم أو مرض - بنية كفارة، ويعطى لكل واحد مد من غالب القوت، ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته (و) يجب (على من أفطر) في رمضان (لعذر لا يرجى زواله) - ككبر ومرض لا يرجى برؤه: (مد) لكل يوم منه إن كان موسرا حينئذ (بلا قضاء) وإن قدر عليه بعد، لانه غير مخاطب بالصوم، فالفدية في حقه واجبة ابتداء، لا بدلا، ويجب المد - مع القضاء - على: حامل، ومرضع، أفطرتا للخوف على الولد، (و) يجب (على مؤخر قضاء) لشئ من رمضان حتى دخل رمضان آخر (بلا عذر) في التأخير: بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه (مد لكل سنة) فيتكرر بتكرر السنين، على المعتمد -. وخرج بقولي بلا عذر: ما إذا كان التأخير بعذر - كأن استمر سفره أو مرضه، أو إرضاعها إلى قابل - فلا شئ عليه ما بقي العذر، وإن استمر سنين. ومتى أخر قضاء رمضان - مع تمكنه - حتى دخل آخر فمات: أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير إن لم يصم عنه قريبه أو مأذونه، وإلا وجب مد واحد للتأخير. والجديد: عدم جواز الصوم عنه مطلقا، بل يخرج من تركته لكل يوم مد طعام، وكذا صوم النذر والكفارة، وذهب النووي - كجمع محققين - إلى تصحيح القديم القائل: بأنه لا يتعين الاطعام فيمن مات، بل يجوز للولي أن يصوم عنه ثم إن خلف تركة، وجب أحدهما، وإلا ندب. ومصرف الامداد: فقير، ومسكين، وله صرف أمداد لواحد. { فائدة } من مات وعليه صلاة، فلا قضاء، ولا فدية. وفي قول - كجمع مجتهدين - أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم اختاره جمع من أئمتنا، وفعل به السبكي عن بعض أقاربه، ونقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي - إن خلف تركه - أن يصلي عنه، كالصوم. وفي وجه - عليه كثيرون من أصحابنا - أنه يطعم عن كل صلاة مدا. وقال المحب الطبري: يصل للميت كل عبادة تفعل عنه: واجبة أو مندوبة. وفي شرح المختار لمؤلفه: مذهب أهل السنة أن للانسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله. (وسن) لصائم رمضان وغيره (تسحر)، وتأخيره، ما لم يقع في شك، وكونه على تمر لخبر فيه، ويحصل ولو بجرعة ماء، ويدخل وقته بنصف الليل. وحكمته: التقوي، أو مخالفة أهل الكتاب ؟ وجهان. وسن تطيب وقت سحر، (و) سن (تعجيل فطر) إذا تيقن الغروب. ويعرف في العمران والصحارى التي بها جبال بزوال الشعاع من أعالي الحيطان والجبال، وتقديمه على الصلاة، إن لم يخش من تعجيله فوات الجماعة أو تكبيرة الاحرام. (و) كونه (بتمر) للامر به، والاكمل أن يكون بثلاث، (ف‍) - إن لم يجده فعلى حسوات (ماء)، ولو من زمزم، فلو تعارض التعجيل على الماء، والتأخير على التمر، قدم الاول، فيما استظهره شيخنا، وقال أيضا: يظهر في تمر قويت شبهته وماء حفت شبهته، أن الماء أفضل. قال الشيخان: لا شئ أفضل بعد التمر غير الماء، فقول الروياني: الحلو أفضل من الماء - ضعيف، كقول الاذرعي: الزبيب أخو التمر، وإنما ذكره لتيسره غالبا بالمدينة. ويسن أن يقول عقب الفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ويزيد - من أفطر بالماء -: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى. (و) سن (غسل عن نحو جنابة قبل فجر) لئلا يصل الماء إلى باطن نحو أذنه أو دبره. قال شيخنا: وقضيته أن وصوله لذلك مفطر، وليس عمومه مرادا - كما هو ظاهر أخذا مما مر: إن سبق ماء نحو المضمضة المشروع، أو غسل الفم المتنجس: لا يفطر، لعذره، فليحمل هذا على مبالغة منهي عنها. (و) سن (كف) نفس عن طعام فيه شبهة، و (شهوة) مباحة. من مسموع، ومبصر، ومس طيب، وشمه. ولو تعارضت كراهة مس الطيب للصائم، ورد الطيب: فاجتناب المس أولى، لان كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة. قال في الحلية: الاولى للصائم ترك الاكتحال. ويكره سواك بعد الزوال، وقت غروب، وإن نام أو أكل كريها ناسيا. وقال جمع: لم يكره، بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم. ومما يتأكد للصائم: كف اللسان عن كل محرم - ككذب وغيبة، ومشاتمة - لانه محبط للاجر، كما صرحوا به، ودلت عليه الاخبار الصحيحة، ونص عليه الشافعي والاصحاب، وأقرهم في المجموع، وبه يرد بحث الاذرعي حصوله وعليه إثم معصيته. وقال بعضهم: يبطل أصل صومه، وهو قياس مذهب أحمد في الصلاة في المغصوب. ولو شتمه أحد فليقل - ولو في نفل - إني صائم، مرتين أو ثلاثا - في نفسه - تذكيرا لها، وبلسانه: حيث لم يظن رياء، فإن اقتصر على أحدهما: فالاولى بلسانه (و) سن مع التأكيد (برمضان)، وعشره الاخير آكد، (إكثار صدقة)، وتوسعة على عيال، وإحسان على الاقارب والجيران - للاتباع - وأن يفطر الصائمين - أي يعشيهم - إن قدر، وإلا فعلى نحو شربة، (و) إكثار (تلاوة) للقرآن في غير نحو الحش، ولو نحو طريق، وأفضل الاوقات للقراءة من النهار: بعد الصبح، ومن الليل: في السحر،. فبين العشاءين. وقراءة الليل أولى. وينبغي أن يكون شأن القارئ: التدبر. قال أبو الليث في البستان: ينبغي للقارئ أن يختم القرآن في السنة مرتين - إن لم يقدر على الزيادة -. وقال أبو حنيفة: من قرأ القرآن في كل سنة مرتين: فقد أدى حقه، وقال أحمد: يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما - بلا عذر - لحديث ابن عمر. (و) إكثار عبادة و (اعتكاف) للاتباع (سيما) بتشديد الياء، وقد يخفف، والافصح جر ما بعدها، وتقديم لا عليها. وما زائدة وهي دالة على أن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها (عشر آخره) فيتأكد له إكثار الثلاثة المذكورة للاتباع - ويسن أن يمكث معتكفا إلى صلاة العيد، وأن يعتكف قبل دخول العشر، ويتأكد إكثار العبادات المذكورة فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، أي الحكم والفصل - أو الشرف، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي منحصرة عندنا فيه، فأرجاها: أو تاره، وأرجى أوتاره عند الشافعي: ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، واختار النووي - وغيره - انتقالها. وهي أفضل ليالي السنة، وصح: من قام ليلة القدر إيمانا - أي تصديقا بأنها حق وطاعة - واحتسابا - أي طلبا لرضا الله تعالى وثوابه - غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية: وما تأخر. وروى البيهقي خبر من صلى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان: فقد أخذ من ليلة القدر بحظ وافر. وروى أيضا: من شهد العشاء الاخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر. وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان { تتمة } يسن اعتكاف كل وقت، وهو لبث فوق قدر طمأنينة الصلاة، ولو مترددا في مسجد أو رحبته التي لم يتيقن حدوثها بعده، وأنها غير مسجد بنية اعتكاف. ولو خرج - ولو لخلاء - من لم يقدر الاعتكاف - المندوب أو المنذور - بمدة بلا عزم عود جدد النية وجوبا - إن أراده -. وكذا إذا عاد بعد الخروج لغير نحو خلاء من قيده بها، كيوم. فلو خرج عازما لعود فعاد لم يجب تجديد النية. ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه، كأن نوى اعتكاف أسبوع، أو شهر متتابع، وخرج لقضاء حاجة - ولو بلا شدتها - وغسل جنابة، وإزالة نجس وإن أمكنهما في المسجد، لانه أصون لمروءته ولحرمة المسجد، أكل طعام، لانه يستحيا منه في المسجد، وله الوضوء بعد قضاء الحاجة تبعا له. لا الخروج له قصدا، ولا لغسل مسنون، ولا يضر بعد موضعها، إلا أن يكون لذلك موضع أقرب منه، أو يفحش البعد، فيضر، ما لم يكن الاقرب غير لائق به، ولا يكلف المشي على غير سجيته، وله صلاة على جنازة إن لم ينتظر. ويخرج جوازا في إعتكاف متتابع لما استثناه من غرض دنيوي: - كلقاء أمير - أو أخروي - كوضوء، وغسل مسنون، وعيادة مريض، وتعزية مصاب، وزيارة قادم من سفر - ويبطل بجماع - وإن استثناه - أو كان في طريق قضاء الحاجة، وإنزال مني بمباشرة بشهوة - كقبلة - وللمعتكف الخروج من التطوع لنحو عيادة مريض. وهل هو أفضل، أو تركه، أو سواء ؟ وجوه، والاوجه - كما بحث البلقيني - أن الخروج لعيادة نحو رحم وجار وصديق، أفضل. واختار ابن الصلاح الترك، لانه صلي الله عليه وسلم كان يعتكف ولم يخرج لذلك. { مهمة } قال في الانوار: يبطل ثواب الاعكتاف بشتم، أو غيبة. أو أكل حرام.
{ فصل في صوم التطوع }
وله من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ومن ثم، أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به. وفي الصحيحين: من صام يوما في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا. (ويسن) متأكدا (صوم يوم عرفة) لغير حاج، لانه يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها - كما في خبر مسلم - وهو تاسع ذي الحجة، والاحوط صوم الثامن مع عرفة. والمكفر: الصغائر التي لا تتعلق بحق الآدمي، إذ الكبائر لا يكفرها إلا التوبة الصحيحة. وحقوق الآدمي متوقفة على رضاه، فإن لم تكن له صغائر زيد في حسناته. ويتأكد صوم الثمانية قبله: للخبر الصحيح فيها، المقتضي لافضلية عشرها على عشر رمضان الاخير. (و) يوم (عاشوراء): وهو عاشر المحرم، لانه يكفر السنة الماضية - كما في مسلم -. (وتاسوعاء): وهو تاسعه، لخبر مسلم: لئن بقيت إلى قابل لاصومن التاسع. فمات قبله. والحكمة: مخالفة اليهود، ومن ثم سن لمن لم يصمه: صوم الحادي عشر، بل إن صامه، لخبر فيه. وفي الام: لا بأس أن يفرده. وأما أحاديث الاكتحال والغسل، والتطيب في يوم عاشوراء، فمن وضع الكذابين (و) صوم (ستة) أيام (من شوال) لما في الخبر الصحيح أن صومها مع صوم رمضان كصيام الدهر. واتصالها بيوم العيد أفضل: مبادرة للعبادة، (وأيام) الليالي (البيض) وهي: الثالث عشر وتالياه، لصحة الامر بصومها، لان صوم الثلاثة كصوم الشهر، إذ لحسنة بعشر أمثالها، ومن ثم تحصل السنة بثلاثة وغيرها، لكنها أفضل، ويبدل - على الاوجه - ثالث عشر ذي الحجة بسادس عشره، وقال الجلال البلقيني: لا بل يسقط. ويسن صوم أيام السود: وهي الثامن والعشرون وتالياه، (و) صوم (الاثنين والخميس) للخبر الحسن أنه صلي الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما وقال: تعرض فيهما الاعمال، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم والمراد عرضها على الله تعالى. وأما رفع الملائكة لها: فإنه مرة بالليل ومرة بالنهار، ورفعها في شعبان محمول، على رفع أعمال العام مجملة. وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات ذكروها فيه، وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروه: شاذ. { فرع } أفتى جمع متأخرون بحصول ثواب عرفة وما بعده بوقوع صوم فرض فيها، خلاف للمجموع. وتبعه الاسنوي فقال: إن نواهما لم يحصل له شئ منهما. قال شيخنا - كشيخه - والذي يتجه أن القصد وجود صوم فيها، فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا، حصلا، وإلا سقط عنه الطلب. { فرع } أفضل الشهور للصوم بعد رمضان: الاشهر الحرم. وأفضلها المحرم، ثم رجب، ثم الحجة، ثم القعدة، ثم شهر شعبان. وصوم تسع ذي الحجة أفضل من صوم عشر المحرم اللذين يندب صومهما. { فائدة } من تلبس بصوم تطوع أو صلاته، فله قطعهما - لا نسك تطوع - ومن تلبس بقضاء واجب، حرم قطعه ولو موسعا، ويحرم على الزوجة أن تصوم، تطوعا أو قضاء موسعا وزوجها حاضر إلا بإذنه أو علم رضاه. { تتمة } يحرم الصوم في أيام التشريق والعيدين، وكذا يوم الشك لغير ورد، وهو يوم ثلاثي شعبان، وقد شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال ولم يثبت، وكذ بعد نصف شعبان، ما لم يصله بما قبله، أو لم يوافق عادته، أو لم يكن عن نذر أو قضاء، ولو عن نفل.
باب الحج
وهو: بفتح أوله وكسره - لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم. وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي. وهو من الشرائع القديمة. وروي أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند ماشيا، وأن جبريل قال له: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة. قاب ابن إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا حج. والذي صرح به غيره: أنه ما من نبي إلا حج، خلافا لمن استثنى هودا وصالحا. والصلاة أفضل منه، خلافا للقاضي. وفرض في السنة السادسة على الاصح، حج صلي الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة حججا لا يدرى عددها، وبعدها حجة الوداع لا غير. وورد: من حج هذا البيت، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال شيخنا في حاشية الايضاح: قوله: كيوم ولدته أمه - يشمل التبعات. وورد التصريح به في رواية، وأفتى به بعض مشايخنا، لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والاول أوفق بظواهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد. ثم رأيت بعض المحققين نقل الاجماع عليه، وبه يندفع الافتاء المذكور تمسكا بالظواهر (والعمرة) وهي لغة: زيادة مكان عامر. وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي. (يجبان) أي الحج والعمرة - ولا يغني عنها الحج وإن اشتمل عليها. وخبر: سئل صلي الله عليه وسلم عن العمرة، أواجبة هي ؟ قال: لا ضعيف اتفاقا، وإن صححه الترمذي. (على) كل مسلم، (مكلف) أي بالغ، عاقل، (حر): فلا يجبان على صبي ومجنون، ولا على رقيق. فنسك غير المكلف - ومن فيه رق - يقع نفلا - لا فرضا (مستطيع) للحج، بوجدان الزاد ذهابا وإيابا، وأجرة خفير - أي مجير يأمن معه - والراحلة - أو ثمنها: إن كان بينه وبين مكة مرحلتان أو دونهما وضعف عن المشي - مع نفقة من يجب عليه نفقته وكسوته إلى الرجوع. ويشترط أيضا للوجوب: أمن الطريق على النفس والمال، ولو من رصدي، وإن قل ما يأخذه، وغلبة السلامة لراكب البحر، فإن غلب الهلاك - لهيجان الامواج في بعض الاحوال - أو استويا: لم يجب، بل يحرم الركوب فيه له ولغيره. وشرط للوجوب على المرأة - مع ما ذكر - أن يخرج معها محرم، أو زوج، أو نسوة ثقات، ولو إماء، وذلك لحرمة سفرها وحدها، وإن قصر، أو كانت في قافلة عظيمة، ولها - بلا وجوب - أن تخرج مع امرأة ثقة لاداء فرض الاسلام، وليس لها الخروج لتطوع، ولو مع نسوة كثيرة، وإن قصر السفر، أو كانت شوهاء. وقد صرحوا بأنه يحرم على المكية التطوع بالعمرة من التنعيم مع النساء، خلافا لمن نازع فيه (مرة) واحدة في العمر (بتراخ) لا على الفور. نعم، إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الفعل في المستقبل، وأن لا يتضيقا عليه بنذر، أو قضاء، أو خوف عضب، أو تلف مال بقرينة، ولو ضعيفة. وقيل يجب - على القادر - أن لا يترك الحج في كل خمس سنين - لخبر فيه { فرع } تجب إنابة عن ميت عليه نسك من تركته - كما تقضى منه ديونه - فلو لم تكن له تركة، سن لوارثه أن يفعله عنه، فلو فعله أجنبي، جاز، ولو بلا إذن، وعن آفاقي معضوب عاجز عن النسك بنفسه: لنحو زمانة، أو مرض لا يرجى برؤه - بأجرة مثل فضلت عما يحتاجه المعضوب يوم الاستئجار، وعما عدا مؤنة نفسه وعياله بعده، ولا يصح أن يحج عن معضوب بغير إذنه، لان الحج يفتقر للنية، والمعضوب أهل لها وللاذن (أركانه) أي الحج: ستة. أحدها: (إحرام) به، أي بنية دخول فيه، لخبر: إنما الاعمال بالنيات. ولا يجب تلفظ بها، وتلبية، بل يسنان فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى - لبيك اللهم لبيك إلى آخره. (و) ثانيها: (وقوف بعرفة) أي حضوره بأي جزء منها ولو لحظة، وإن كان نائما، أو مارا، لخبر الترمذي: الحج عرفة وليس منها: مسجد إبراهيم عليه السلام، ولا نمرة. والافضل للذكر تحري موقفه صلي الله عليه وسلم، وهو عند الصخرات المعروفة. وسميت عرفة، قيل: لان آدم وحواء تعارفا بها، وقيل غير ذلك. ووقته (بين زوال) للشمس يوم عرفة، وهو تاسع ذي الحجة، (و) بين طلوع (فجر) يوم (نحر). وسن له الجمع بين الليل والنهار، وإلا أراق دم تمتع – ندبا (و) ثالثها: (طواف إفاضة) ويدخل وقته بانتصاف ليلة النحر، وهو أفضل الاركان، حتى من الوقوف، خلافا للزركشي. (و) رابعها: (سعي) بين الصفا والمروة (سبعا) - يقينا - بعد طواف قدوم ما لم يقف بعرفة، أو بعد طواف إفاضة. فلو اقتصر على ما دون السبع لم يجزه، ولو شك في عددها قبل فراغه أخذ بالاقل، لانه المتيقن. ومن سعى بعد طواف القدوم لم يندب له إعادة السعي بعد طواف الافاضة، بل يكره. ويجب أن يبدأ فيه في المرة الاولى بالصفا ويختم بالمروة - للاتباع - فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعوده منها إليه مرة أخرى. ويسن - للذكر - أن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة. وأن يمشي أول السعي وآخره، ويعدو - الذكر - في الوسط، ومحلهما معروف (و) خامسها: (إزالة شعر) من الرأس، بحلق أو تقصير، لتوقف التحلل عليه - وأقل ما يجزئ ثلاث شعرات، فتعميمه صلي الله عليه وسلم لبيان الافضل، خلافا لمن أخذ منه وجوب التعميم. وتقصير المرأة أولى من حلقها، ثم يدخل مكة بعد رمي جمرة العقبة والحلق، ويطوف للركن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم - كما هو الافضل - والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها. ويكره تأخيرها عن يوم النحر، وأشد منه: تأخيرها عن أيام التشريق، ثم عن خروجه من مكة. (و) سادسها: (ترتيب) بين معظم أركانه - بأن يقدم الاحرام على الجميع، والوقوف على طواف الركن والحلق والطواف على السعي - إن لم يسع بعد طواف القدوم - ودليله الاتباع. (ولا تجبر) أي الاركان، (بدم). وسيأتي ما يجبر بالدم. (وغير وقوف) من الاركان الستة (أركان العمرة) لشمول الادلة لها، وظاهر أن الحلق يجب تأخيره عن سعيها، فالترتيب فيها في جميع الاركان. (تنبيه) يؤديان بثلاثة أوجة: إفراد: بأن يحج ثم يعتمر. وتمتع: بأن يعتمر ثم يحج. وقران: بأن يحرم بهما معا. وأفضلها: إفراد - إن اعتمر عامه - ثم تمتع. وعلى كل من المتمتع والقارن: دم - إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام - وهم من دون مرحلتين. (وشروط الطواف) ستة: أحدها: (طهر) عن حدث وخبث. (و) ثانيها: (ستر) لعورة قادر، فلو زالا فيه جدد، وبنى على طوافه، وإن تعمد ذلك، وطال الفصل. (و) ثالثها: (نيته): أي الطواف، (إن استقل) بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات، وإلا فهي سنة. (و) رابعها: (بدؤه بالحجر الاسود محاذيا له) في مروره (ببدنه): أي بجميع شقه الايسر. وصفة المحاذاة: أن يقف بجانبه من جهة اليماني - بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه - ثم ينوي، ثم يمشي مستقبلة حتى يجاوزه، فحينئذ ينفتل ويجعل يساره للبيت، ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا. (و) خامسها: (جعل البيت عن يساره) مارا تلقاء وجهه، فيجب كونه خارجا بكل بدنه حتى بيده عن شاذروانه وحجره - للاتباع - فإن خالف شيئا من ذلك لم يصح طوافه، وإذا استقبل الطائف - لنحو دعاء - فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء قبل عوده إلى جعل البيت عن يساره. ويلزم من قبل الحجر أن يقر قدميه في محلهما حتى يعتدل قائما، فإن رأسه - حال التقبيل - في جزء من البيت (و) سادسها: (كونه سبعا) يقينا، ولو في الوقت المكروه، فإن ترك منها شيئا - وإن قل - لم يجزئه. (وسن أن يفتتح) الطائف (باستلام الحجر) الاسود بيده، (و) أن (يستلمه في كل طوفة)، وفي الاوتار آكد، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه، (و) يستلم (الركن) اليماني، ويقبل يده بعد استلامه، (و) أن (يرمل - ذكر) في الطوفات (الثلاث الاول من طواف بعده سعي) بإسراع مشيه مقاربا خطاه، وأن يمشي في الاربعة الاخيرة على هيئته - للاتباع - ولو ترك الرمل في الثلاث الاول: لا يقضيه في البقية. ويسن أن يقرب - الذكر - من البيت، ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة، فلو تعارض القرب منه والرمل: قدم، لان ما يتعلق بنفس العبادة، أولى من المتعلق بمكانها، وأن يضطبع في طواف يرمل فيه، وكذا في السعي: وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن، وطرفيه على الايسر - للاتباع - وأن يصلي بعده ركعتين خلف المقام، ففي الحجر. { فرع } يسن أن يبدأ كل من الذكر والانثى بالطواف عند دخول المسجد للاتباع، رواه الشيخان - إلا أن يجد الامام في مكتوبة، أو يخاف فوت فرض، أو راتبة مؤكدة فيبدأ بها - لا بالطواف (وواجباته) أي الحج خمسة، وهو ما يجب بتركه الفدية (إحرام من ميقات) فميقات الحج لمن بمكة: هي. وهو للحج والعمرة للمتوجه من المدينة: ذو الحليفة المسماة ببئر علي. ومن الشام ومصر والمغرب: الجحفة. ومن تهامة اليمن: يلملم، ومن نجد اليمن والحجاز: قرن. ومن المشرق: ذات عرق. وميقات العمرة لمن بالحرم الحل، وأفضله الجعرانة، فالتنعيم، فالحديبية. وميقات من لا ميقات له في طريقه: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه في بر أو بحر، وإلا فمرحلتان من مكة، فيحرم الجائي في البحر من جهة اليمين من الشعب المحرم الذي يحاذي يلملم، ولا يجوز له تأخير إحرامه إلى الوصول إلى جدة، خلافا لما أفتى به شيخنا من جواز تأخيره إليها، وعلل بأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم إليها. ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم - ولو ناسيا، أو جاهلا - ما لم يعد إليه قبل تلبسه بنسك، ولو طواف قدوم، وأثم غيرهما (ومبيت بمزدلفة) ولو ساعة من نصف ثان من ليلة النحر، (و) مبيت (بمنى) معظم ليالي أيام التشريق. نعم، إن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني، جاز وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها، وإنما يجب المبيت في لياليها لغير الرعاء وأهل السقاية (وطواف الوداع) لغير حائض، ومكي - إن لم يفارق مكة بعد حجه - (ورمي) إلى جمرة العقبة بعد انتصاف ليلة النحر، سبعا، وإلى الجمرات الثلاث بعد زوال كل يوم من أيام التشريق سبعا سبعا، مع ترتيب بين الجمرات (بحجر) أي بما يسمى به، ولو عقيقا وبلورا. ولو ترك رمي يوم، تداركه في باقي أيام التشريق، وإلا لزمه دم، بترك ثلاث رميات فأكثر. (وتجبر) أي الواجبات بدم، وتسمى هذه أبعاضا (وسننه) أي الحج (غسل)، فتيمم (لاحرام ودخول مكة) ولو حلالا - بذي طوى، (وقوف) بعرفة عشيتها، وبمزدلفة، ولرمي أيام التشريق، (وتطيب) البدن، والثوب ولو بما له جرم (قبيله) أي الاحرام وبعد الغسل، ولا يضر استدامته بعد الاحرام، ولا انتقاله بعرق (وتلبية) وهي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك. ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك. ويسن الاكثار منها، والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار، بعد تكرير التلبية ثلاثا. وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة. لكن لا تسن في طواف القدوم، والسعي بعده، لورود أذكار خاصة فيهما، (وطواف قدوم) لانه تحية البيت، وإنما يسن لحاج أو قارن دخل مكة قبل الوقوف. ولا يفوت بالجلوس، ولا بالتأخير. نعم، يفوت بالوقوف بعرفة (ومبيت بمنى ليلة عرفة، ووقوف بجمع) المسمى الآن بالمشعر الحرام وهو جبل في آخر مزدلفة، فيذكرون في وقوفهم، ويدعون إلى الاسفار مستقبلين القبلة - للاتباع -. (وأذكار)، وأدعية مخصوصة بأوقات وأمكنة معينة، وقد استوعبها الجلال السيوطي في وظائف اليوم والليلة - فليطلبه. { فائدة } يسن - متأكدا - زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم ، ولو لغير حاج ومعتمر، لاحاديث وردت في فضلها. وشرب ماء زمزم مستحب، ولو لغيرهما. وورد أنه أفضل المياه، حتى من الكوثر.
{ فصل في محرمات الاحرام }
(يحرم بإحرام) على رجل وأنثى (وطئ) آية: * (فلا رفث) * أي لا ترفثوا. والرفث مفسر بالوطئ. ويفسد به الحج والعمرة. (وقبلة)، ومباشرة بشهوة. (واستمناء بيد) - بخلاف الانزال بنظر أو فكر - (ونكاح)، لخبر مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح (وتطيب) في بدن أو ثوب بما يسمى طيبا، كمسك وعنبر، وكافور حي أو ميت، وورد ومائه، ولو بشد نحو مسك بطرف ثوبه، أو بجعله في جيبه. ولو خفيت رائحة الطيب، كالكاذي والفاغية - وهي تمر الحناء - فإن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت، حرم، وإلا فلا، (ودهن) بفتح أوله (شعر) رأس، أو لحية بدهن، ولو غير مطيب، كزيت وسمن. (وإزالته) أي الشعر ولو واحدة من رأسه أو لحيته أو بدنه، نعم، إن احتاج إلى حلق شعر - بكثرة قمل أو جراحة - فلا حرمة، وعليه الفدية، فلو نبت شعر، بعينه أو غطاها فأزال ذلك، فلا حرمة، وفلا فدية. (وقلم) لظفر، ولو بعضه من يد أو رجل. نعم، له قطع ما انكسر من ظفره إن تأذى به ولو أدنى تأذ (ويحرم ستر رجل) - لا امرأة - (بعض رأس بما يعد ساترا) عرقا من مخيط أو غير - كقلنسوة، وخرقة - إما ما لا يعد ساترا - كخيط رقيق، وتوسد نحو عمامة، ووضع يد لم يقصد بها الستر - فلا يحرم، بخلاف ما إذا قصده على نزاع فيه، وكحمل نحو زنبيل لم يقصد به ذلك أيضا، واستظلال بمحمل وإن مس رأسه، (ولبسه) أي الرجل (مخيطا) بخياطة: كقميص، وقباء، أو نسج، أو عقد في سائر بدنه، (بلا عذر) فلا يحرم على الرجل ستر رأس لعذر - كحر وبرد، ويظهر ضبطه هنا بما لا يطيق الصبر عليه، وإن لم يبح التيمم، فيحل مع الفدية، قياسا على وجوبها في الحلق مع العذر. ولا لبس مخيط إن لم يجد غيره، ولا قدر على تحصيله، ولو بنحو استعارة. بخلاف الهبة - لعظم المنة - فيحل ستر العورة بالمخيط بلا فدية، ولبسه في باقي بدنه لحاجة نحو حر وبرد مع فدية. ويحل الارتداء والالتحاف بالقميص والقباء، وعقد الازار، وشد خيط عليه ليثبت: لا وضع طوق القباء على رقبته، وإن لم يدخل يده (و) يحرم (ستر امرأة - لا رجل - بعض وجه) بما يعد ساترا (وفدية) ارتكاب واحد م‍ (- ما يحرم) بالاحرام غير الجماع (ذبح شاة) مجزئة في الاضحية، وهي جذعة ضأن، أو ثنية معز، (أو تصدق بثلاثة آصع لستة) من مساكين الحرم الشاملين للفقراء، لكل واحد نصف صاع، (أو صوم ثلاثة) أيام. فمرتكب المحرم مخير في الفدية بين الثلاثة المذكورة. { فرع } لو فعل شيئا من المحرمات ناسيا أو جاهلا بتحريمه، وجبت الفدية إن كان إتلافا - كحلق شعر، وقلم ظفر، وقتل صيد - ولا تجب إن كان تمتعا - كلبس، وتطيب - والواجب في إزالة ثلاث شعرات أو أظفار ولا اتحاد زمان ومكان عرفا فدية كاملة، وفي واحدة: مد طعام. وفي اثنتين: مدان (ودم ترك مأمور) كإحرام من الميقات، ومبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الاحجار، وطواف الوداع، كدم التمتع والقران. (ذبح) أي ذبح شاة تجزئ أضحية في الحرم، (ف‍) - الواجب على العاجز عن الذبح فيه ولو لغيبة ماله - وإن وجد من يقرضه، أو وجده بأكثر من ثمن المثل - (صوم) أيام (ثلاثة) فورا بعد إحرام، (وقبل) يوم (نحر) - ولو مسافرا - فلا يجوز تأخير شئ منها عنه، لانها تصير قضاء. ولا تقديمه على الاحرام بالحج، الآية. (و) يلزمه أيضا صوم (سبعة بوطنه) أي إذا رجع إلى أهله. ويسن تواليها - كالثلاثة - قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم) (ويجب على مفسد نسك) من حج وعمرة (بوطئ: بدنة) بصفة الاضحية، وإن كان النسك، نفلا، والبدنة المرادة الواحد من الابل - ذكرا كان أو أنثى - فإن عجز عن البدنة فبقرة، فإن عجز عنها فسبع شياه، ثم يقوم البدنة، ويتصدق بقيمتها طعاما. ثم يصوم عن كل مد يوما. ولا يجب شئ على المرأة، بل تأثم. وعلم من قولي بمسد نسك: أنه يبطل بوطئ، ومع ذلك يجب مضي في فاسده. (وقضاء فورا)، وإن كان نسكه نفلا، لانه - وإن كان وقته موسعا - تضيق عليه بالشروع فيه. والنفل من ذلك يصير بالشروع فيه فرضا: أي واجب الاتمام كالفرض، بخلاف غيره من النفل { تتمة } يسن لقاصد مكة، وللحاج - آكد - أن يهدي شيئا من النعم يسوقه من بلده، وإلا فيشتريه من الطريق ثم من مكة، ثم من عرفة، ثم من منى. وكونه سمينا حسنا، ولا يجب إلا بالنذر { مهمات } يسن - متأكدا - لحر قادر، تضحية بذبح جذع ضأن له سنة، أو سقط سنه - ولو قبل تمامها - أو ثني معز أو بقر لهما سنتان، أو إبل له خمس سنين بنية أضحية عند ذبح أو تعيين. وهي أفضل من الصدقة. ووقتها من راتفاع شمس نحر إلى آخر أيام التشريق. ويجزئ سبع بقر أو إبل عن واحد، ولا يجزئ عجفاء ومقطوعة بعض ذنب أو أذن أبين - وإن قل - وذات عرج وعور ومرض بين، ولا يضر شق أذن، أو خرقها. والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل - خلافا لما صححه ابن الرفعة -. ولو نذر التضحية بمعيبة أو صغيرة، أو قال: جعلتها أضحية، فإنه يلزم ذبحها، ولا تجزئ أضحية، وإن اختص ذبحها بوقت الاضحية، وجرت مجراها في الصرف. ويحرم الاكل من أضحية أو هدي وجبا بنذره. ويجب التصدق - ولو على فقير واحد - بشئ نيئا - ولو يسيرا - من المتطوع بها. والافضل: التصدق بكله إلا لقما يتبرك بأكلها، وأن تكون من الكبد، وأن لا يأكل فوق ثلاث، والتصدق بجلدها. وله إطعام أغنياء - لا تمليكهم - ويسن أن يذبح الرجل بنفسه. وأن يشهدها من وكل به. وكره - لمريدها - إزالة نحو شعر في عشر ذي الحجة وأيام التشريق حتى يضحي ويندب لمن تلزمه نفقة فرعه: أن يعق عنه من وضع إلى بلوغ، وهي كضحية، ولا يكسر عظم. والتصدق بمطبوخ يبعثه إلى الفقراء: أحب من ندائهم إليها ومن التصدق نيئا. وأن يذبح سابع ولادته، ويسمى فيه، وإن مات قبله، بل يسن تسمية سقط بلغ زمن نفخ الروح. وأفضل الاسماء: عبد الله، وعبد الرحمن. ولا يكره اسم نبي، أو ملك، بل جاء في التسمية بمحمد فضائل علية. ويحرم التسمية بملك الملوك، وقاضي القضاة، وحاكم الحكام. وكذا عبد النبي، وجار الله، والتكني بأبي القاسم. وسن أن يحلق رأسه - ولو أنثى - في السابع، ويتصدق بزنته ذهبا، أو فضة، وأن يؤذن، ويقرأ سورة الاخلاص، وآية: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * بتأنيث الضمير - ولو في الذكر - في أذنه اليمنى، ويقام في اليسرى عقب الوضع. وأن يحنكه رجل، فامرأة - من أهل الخير - بتمر، فحلو - لم تمسه النار - حين يولد. ويقرأ عندها - وهي تطلق - آية الكرسي و * (إن ربكم الله) * الآية، والمعوذتان، والاكثار من دعاء الكرب. قال شيخنا: أما قراءة سورة الانعام، إلى: * (رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * يوم يعق عن المولود، فمن مبتدعات العوام الجهلة، فينبغي الانكفاف عنها، وتحذير الناس منها - ما أمكن -. انتهى { فرع } يسن لكل أحد، الادهان غبا، والاكتحال بالاثمد وترا عند نومه، وخضب شيب رأسه ولحيته: بحمرة أو صفرة. ويحرم حلق لحية، وخضب يدي الرجل ورجليه بحناء، خلافا لجمع فيهما. وبحث الاذرعي كراهة حلق ما فوق الحلقوم من الشعر. وقال غيره إنه مباح. ويسن الخضب للمفترشة، ويكره للخلية. ويحرم وشر الاسنان ووصل الشعر بشعر نجس، أو شعر آدمي، وربطه به - لا بخيوط الحرير، أو الصوف - ويستحب أن يكف الصبيان أول ساعة من الليل، وأن يغطي الاواني - ولو بنحو عود يعرض عليها - وأن يغلق الابواب مسميا الله فيهما، وأن يطفى المصابيح عند النوم { واعلم } أن ذبح الحيوان البري المقدور عليه بقطع كل حلقوم - وهو مخرج النفس - وكل مرئ - وهو مجرى الطعام تحت الحلقوم - بكل محدد يجرح غير عظم، وسن، وظفر - كحديد - وقصب، وزجاج، وذهب، وفضة - يحرم ما مات بثقل ما أصابه من محدد أو غيره - كبندقة - وإن أنهر الدم وأبان الرأس أو ذبح بكال لا يقطع إلا بقوة الذابح، فلذا ينبغي الاسراع بقطع الحلقوم بحيث لا ينتهي إلى حركة المذبوح قبل تمام القطع. ويحل الجنين بذبح أمه إن مات في بطنها، أو خرج في حركة مذبوح، ومات حالا. أما غير المقدور عليه بطيرانه أو شدة عدوه، وحشيا كان أو إنسيا كجمل، أو جدي - نفر شاردا، ولم يتيسر لحوقه حالا - وإن كان لو صبر سكن وقدر عليه - وإن لم يخف عليه نحو سارق - فيحل بالجرح المزهق بنحو سهم أو سيف في أي محل كان، ثم إن أدركه وبه حياة مستقرة، ذبحه - فإن تعذر ذبحه من غير تقصير منه حتى مات - كأن اشتغل بتوجيهه للقبلة، أو سل السكين فمات قبل الامكان، حل، وإلا كأن لم يكن معه سكين، أو علق في الغمد بحيث تعسر إخراجه، فلا. ويحرم قطعا رمي الصيد بالبندق المعتاد الآن - وهو ما يصنع بالحديد ويرمى بالنار - لانه محرق مذفف سريعا غالبا. قال شيخنا: نعم، إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير: فيشقه فقط، احتمل الجواز. والرمي بالبندق المعتاد قديما - وهو ما يصنع من الطين - جائز - على المعتمد - خلافا لبعض المحقين وشرط الذابح أن يكون مسلما - أو كتابيا ينكح. ويسن أن يقطع الودجين - وهما عرقا صفحتي عنق وأن يحد شفرته، ويوجه ذبيحته لقبلة، وأن يكون الذابح رجلا عاقلا، فامرأة، فصبيا. ويقول - ندبا - عند الذبح، وكذا عند رمي الصيد - ولو سمكا - وإرسال الجارحة: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد ويشترط في الذبيح - غير المريض - شيآن. أحدهما: أن يكون فيه حياة مستقرة أول ذبحه ولو ظنا، بنحو شدة حركة بعده، ولو وحدها - على المعتمد - وانفجار دم، وتدفقه إذا غلب على الظن بقاؤها فيهما - فإن شك في استقرارها لفقد العلامات حرم. ولو جرح حيوان، أو سقط عليه نحو سيف أو عضه نحو هرة - فإن بقيت فيه حياة مستقرة فذبحه، حل. وإن تيقن هلاكه بعد ساعة، وإلا لم يحل - كما لو قطع بعد رفع السكين ولو لعذر، ما بقي بعد انتهائها إلى حركة مذبوح. قال شيخنا في شرح المنهاج: وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابه فأعادها فورا وأتم الذبح، حل، وقول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها لم يحل، مفرع على عدم الحياة المستقرة، عند إعادتها، أو محمول على ما إذا لم يعدها على الفور. ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انفلتت شفرته فردها حالا، أنه يحل. انتهى. ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض، وإن كان سببه أكل نبات مضر، كفى ذبحه في آخر رمقه، إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك من جرح أو نحوه. فإن وجد، كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، اشترط فيه وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح، ولو بالظن، بالعلامة المذكورة بعده { فائدة } من ذبح تقريا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم. وثانيهما: كونه مأكولا - وهو من الحيوان البري: الانعام، والخيل، وبقر وحش، وحماره، وظبي، وضبع، وضب، وأرنب، وثعلب، وسنجاب، وكل لقاط للحب. لا أسد، وقرد، وصقر، وطاوس، وحدأة، وبوم، ودرة، وكذا غراب أسود ورمادي اللون، خلافا لبعضهم. ويكره جلالة - ولو من غير نعم - كدجاج إن وجد فيها ريح النجاسة. ويحل أكل بيض غير المأكول، خلافا لجمع. ويحرم من الحيوان البحري: ضفدع، وتمساح، وسلحفاة، وسرطان. لا قرش، ودنليس على الاصح فيهما. قال في المجموع: الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر يحل ميتته إلا الضفدع، ويؤيده نقل ابن الصباغ عن الاصحاب حل جميع ما فيه، إلا الضفدع ويحل أكل ميتة الجراد والسمك - إلا ما تغير في جوف غيره، ولو في صورة كلب أو خنزير. ويسن ذبح كبيرهما الذي يطول بقاؤه. ويكره ذبح صغيرهما، وأكل مشوي سمك قبل تطييب جوفه، وما أنتن منه - كاللحم - وقلي حي في دهن مغلي. وحل أكل دود نحو الفاكهة - حيا كان أو ميتا - بشرط أن لا ينفرد عنه، وإلا لم يحل أكله، ولو معه - كنمل السمن - لعدم تولده منه - على ما قاله الرداد - خلافا لبعض أصحابنا. ويحرم كل جماد مضر لبدن أو عقل - كحجر، وتراب، وسم - وإن قل، إلا لمن لا يضره - ومسكر، ككثير أفيون، وحشيش، وبنج { فائدة } أفضل المكاسب الزراعة، ثم الصناعة، ثم التجارة. قال جمع: هي أفضلها - ولا تحرم معاملة من أكثر ماله حرام، ولا الاكل منها - كما صححه في المجموع -. وأنكر النووي قول الغزالي بالحرمة، مع أنه تبعه في شرح مسلم. ولو عم الحرام الارض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه، دون ما زاد. هذا إن توقع معرفة أربابه. وإلا صار لبيت المال، فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه - كما قاله شيخنا { فرع } نذكر فيه ما يجب على المكلف بالنذر. وهو قربة - على ما اقتضاه كلام الشيخين، وعليه كثيرون - بل بالغ بعضهم، فقال: دل على ندبه الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس. وقيل مكروه، للنهي عنه. وحمل الاكثرون النهي على نذر اللجاج، فإنه تعليق قربة بفعل شئ أو تركه - كإن دخلت الدار، أو إن لم أخرج منها، فلله علي صوم أو صدقة بكذا. فيتخير - من دخلها أو لم يخرج - بين ما التزمه وكفارة يمين. ولا يتعين الملتزم - ولو حجا -. والفرع: ما اندرج تحت أصل كلي { النذر التزام } مسلم، (مكلف) رشيد: (قربة لم تتعين) - نفلا كانت أو فرض كفاية - كإدامة وتر، وعيادة مريض، وزيادة رجل قبرا، وتزوج حيث سن - خلافا لجمع - وصوم أيام البيض، والاثانين. فلو وقعت في أيام التشريق أو الحيض، أو النفاس، أو المرض، لم يجب القضاء - وكصلاة جنازة، وتجهيز ميت. ولو نذر صوم يوم بعينه، لم يصم قبله، فإن فعل أثم - كتقديم الصلاة على وقتها المعين - ولا يجوز تأخيره عنه - كهي - بلا عذر، فإن فعل صح، وكان قضاء. ولو نذر صوم يوم خميس ولم يعين، كفاه أي خميس. ولو نذر صلاة: فيجب ركعتان بقيام قادر. أو صوما: فصوم يوم أو صوم أيام فثلاثة. أو صدقة، فمتمول، ويجب صرفه لحر مسكين - ما لم يعين شخصا أو أهل بلد - وإلا تعين صرفه له. ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه، ولا لصدقة زمان عينه. وخرج بالمسلم، المكلف: الكافر والصبي، والمجنون - فلا يصح نذرهم - كنذر السفيه -، وقيل يصح من الكافر. وبالقربة: المعصية - كصوم أيام التشريق وصلاة لا سبب لها في وقت مكروه - فلا ينعقدان -. وكالمعصية: المكروه - كالصلاة عند القبر. والنذر لاحد أبويه أو أولاده فقط. وكذا المباح: كلله علي أن آكل أو أنام. وإن قصد تقوية على العبادة، أو النشاط لها - ولا كفارة في المباح، على الاصح. وبلم تتعين: ما تعين عليه من فعل واجب عيني كمكتوبة وأداء ربع عشر مال تجارة وكترك محرم وإنما ينعقد النذر من المكلف (بلفظ منجز) بأن يلتزم قربة به من غير تعليق بشأ - وهذا نذر تبرر (كلله على كذا) من صلاة أو صوم أو نسك أو صدقة أو قراء أو اعتكاف (أو علي كذا) وإن لم يقل لله (أو نذرت كذا) وإن لم يذكر معها لله على المعتمد الذي صرح به البغوي وغيره من اضطراب طويل (أو) بلفظ (معلق) ويسمى نذر مجازاة وهو أن يلتزم قربة في مقابلة ما يرغب في حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (كان شفاني الله أو سلمني الله فعلى كذا) أو ألزمت نفسي أو واجب على كذا وخرج بلفظ النية فلا يصح بمجرد النية كسائر العقود إلا باللفظ. وقيل يصح بالنية وحدها (فيلزم) عليه (ما التزمه حالا في منجز وعند وجود صفة في معلق). وظاهر كلامهم أنه يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه - خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام - ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر ولا القبض، بل يشترط عدم رده ويصح النذر بما في ذمة المدين - ولو مجهولا - فيبرأ حالا، وإن لم يقبل - خلافا للجلال البلقيني - ولو نذر لغير أحد أصليه أو فروعه من ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك، لزوال ملكه عنه، ولا يجوز للاصل الرجوع فيه. وينعقد معلقا في نحو: إذا مرضت فهو نذر قبل مرضي بيوم، وله التصرف قبل حصول المعلق عليه. ويلغو قوله: متى حصل لي الامر الفلاني أجئ لك بكذا - ما لم يقترن به لفظ التزام، أو نذر. وأفتى جمع فيمن أراد أن يتبايعا فاتفقا على أن ينذر كل للآخر بمتاعه، ففعلا، صح، وإن زاد المبتدئ: إن نذرت لي بمتاعك. وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره. ويصح إبراء المنذور له الناذر - عما في ذمته. قال القاضي: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به - كخمس ما يخرج له مع معشر، وككل ولد، أو ثمرة يخرج من أمتي أو شجرتي هذه -. وذكر أيضا أنه لا زكاة في الخمس المنذور. وقال غيره: محله إن نذر قبل الاشتداد، ويصح النذر للجنين - كالوصية له، بل أولى، لا للميت - إلا لقبر الشيخ الفلاني، وأراد به قربة. ثم: كإسراج ينتفع به، أو اطرد عرف - فيحمل النذر له على ذلك ويقع لبعض العوام: جعلت هذا للنبي صلي الله عليه وسلم فيصح - كما بحث - لانه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة النبوية. قال السبكي: والاقرب عندي في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها: صرف إليها واختصت به. اه‍. قال شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف رأي ناظرها. قال: وظاهر أن الحكم كذلك في النذر لمسجد غيرها. انتهى. وأفتى بعضهم في، إن قضى الله حاجتي فعلي للكعبة كذا، بأنه غيرها. انتهى يتعين لمصالحها، ولا يصرف لفقراء الحرم - كما دل عليه كلام المهذب وصرح به جمع متأخرون. ولو نذر شيئا للكعبة ونوى صرفه لقربة معينة - كالاسراج - تعين صرفه فيها، إن احتيج لذلك، وإلا بيع، وصرف لمصالحها - كما استظهره شيخنا ولو نذر إسراج نحو شمع أو زيت بسمجد، صح - إن كان ثم من ينتفع به، ولو على ندور - وإلا فلا ولو نذر إهداء منقول إلى مكة، لزمه نقله، والتصدق بعينه على فقراء الحرم ما لم يعين قربة أخرى - كتطييب الكعبة - فيصرفه إليها. وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي إلى الحرم - فإن كان معسرا، باع بعضه لنقل الباقي. فإن تعسر نقله - كعقار، أو حجر رحى - باعه، ولو بغير إذن حاكم، ونقل ثمنه، وتصدق به على فقراء الحرم. وهل له إمساكه بقيمته أو لا ؟ وجهان ولو نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة، أجزأ بعضها عن بعض - كالاعتكاف - ولا يجزئ ألف صلاة في غير مسجد المدينة عن صلاة نذرها فيه، كعكسه - كما لا يجزئ قراءة الاخلاص عن ثلث القرآن المنذور. ومن نذر إتيان سائر المساجد وصلاة التطوع فيه، صلى حيث شاء، ولو في بيته. ولو نذر التصدق بدرهم لم يجزئ عنه جنس آخر. ولو نذر التصدق بمال بعينه، زال عن ملكه. فلو قال: علي أن أتصدق بعشرين دينارا وعينها على فلان، أو إن شفي مريضي فعلي ذلك: ملكها - وإن لم يقبضها ولا قبلها، بل وإن رد، فله التصرف فيها، وينعقد حول زكاتها من حين النذر. وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها. ولو تلف المعين لم يضمنه، إلا أن قصر - على ما استظهره شيخنا -. ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أو في موضع معين، لم يجز له أن يعمر غيره بدلا عنه، ولا في موضع آخر. كما لو نذر التصدق بدرهم فضة لم يجز التصدق بدله بدينار لاختلاف الاغراض { تتمة }اختلف جمع من مشايخ شيوخنا في نذر مقترض مالا معينا لمقرضه ما دام دينه في ذمته فقال بعضهم لا يصح، لانه على هذا الوجه الخاص غير قربة، بل يتوصل به إلى ربا النسيئة. وقال بعضهم يصح، لانه في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر به، أو فيه اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لاعسار أو إنفاق، ولانه يسن للمقترض أن يرد زيادة عما اقترضه فإذا التزمها بنذر انعقد، ولزمته، فهو حينئذ مكافأة إحسان، لا وصلة للربا، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع، ومن ثم لو شرط عليه النذر في عقد القرض، كان ربا. وقال شيخ مشايخنا العلامة المحقق الطنبداوي، فيما إذا نذر المديون للدائن منفعة الارض المرهونة مدة بقاء الدين في ذمته: والذي رأيته لمتأخري أصحابنا اليمنيين ما هو صريح في الصحة، وممن أفتى بذلك شيخ الاسلام محمد بن حسين القماط والعلامة الحسين بن عبد الرحمن الاهدل. (والله أعلم)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Tidak ada postingan.